بالأمثال الشعبية والأغاني.. إسرائيل تصنع جيل جواسيس يتقن لهجات العرب
بلومبيرغ: إسرائيل تعود لاستخدام البشر بدل التكنولوجيا لاختراق العرب

تقرير: سمر صفي الدين
كشف موقع “بلومبيرغ” الأمريكي في تقرير موسع عن تغييرات جذرية تشهدها أجهزة الاستخبارات في إسرائيل. تعكس انتقالًا استراتيجيًا من الاعتماد شبه الكامل على التكنولوجيا المتطورة إلى العودة لأدوات تقليدية أكثر فاعلية في التعامل مع المجتمعات العربية، وفي مقدمتها اللغة والثقافة.
والتقرير الذي أعده الصحفي إيثان برونر، أشار إلى أن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” أطلقت خطة شاملة لإحياء برامج تعلم اللغة العربية ولهجاتها المتنوعة. وتدريب جميع القوات على التحدث بها بطلاقة.
دروس قاسية من هجوم حماس
أوضح التقرير أن الدافع الرئيسي وراء هذا التحول هو الهجوم الذي نفذته حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) في السابع من أكتوبر 2023. والذي شكل ضربة قاسية لسمعة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
فقد فشلت المنظومة الاستخبارية، رغم امتلاكها أدوات مراقبة متقدمة تشمل الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة وتحليل البيانات الرقمية. في استشراف خطط حماس أو التنبؤ بقدراتها الميدانية.
ونقل التقرير عن ضابط في المخابرات العسكرية قوله إن هناك “سوء فهم أساسي” لأيديولوجية حماس وطبيعة تفكيرها. حيث افترضت إسرائيل أن الحركة راضية عن إدارة قطاع غزة والانخراط في أنشطة اقتصادية مع إسرائيل. متجاهلة خطابها المقاوم وأهدافها العسكرية.
التفكير بعقلية الخصم
أحد أبرز مخرجات مراجعة الأداء داخل الأجهزة الإسرائيلية تمثل في إحياء برنامج قديم لتعليم اللغة العربية كان قد تم إيقافه قبل ست سنوات.
ويشمل هذا البرنامج تشجيع طلاب المدارس الثانوية على دراسة اللغة العربية كلغة ثانية. ومن ثم استقطاب المميزين منهم للالتحاق بدورات متخصصة تركز على لهجات محلية محددة مثل الفلسطينية (الغزية والضفاوية)، اليمنية، العراقية، وحتى اللهجات البدوية.
كما يتضمن البرنامج الجديد توسيع نطاق تدريب المحللين الاستخباريين على الثقافة العربية والإسلامية. بما في ذلك دراسة الخطابات الدينية، ومعرفة العادات الاجتماعية. وفهم السياق السياسي، وذلك بهدف تحسين القدرة على “التفكير بعقلية الخصم”، كما جاء في تصريحات ضابط إسرائيلي رفيع.
تاريخ من التجسس البشري
يشير تقرير بلومبيرغ إلى أن إسرائيل لطالما اعتمدت في بداياتها على عناصر بشرية ناطقة بالعربية، كثير منهم من اليهود المهاجرين من العراق واليمن وسوريا. وقد حقق هؤلاء نجاحات بارزة في اختراق أنظمة عربية. من أبرزها العميل إيلي كوهين الذي وصل إلى مناصب حساسة في الحكومة السورية في ستينيات القرن الماضي قبل أن يكشف أمره ويعدم.
لكن مع مرور الوقت وتراجع استخدام اللغة العربية بين الأجيال الجديدة من اليهود الشرقيين، فقدت إسرائيل مصدرًا بشريًا مهمًا، واضطرت للاعتماد أكثر على التكنولوجيا.
إلا أن إخفاقات أكتوبر أعادت التذكير بقيمة العنصر البشري القادر على الاندماج في المجتمعات المحلية وفهم تفاصيلها الدقيقة.
مدارس لهجات داخل الجيش
صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية كانت قد نشرت بدورها تقريرًا في يوليو الماضي. أكدت فيه أن الجيش الإسرائيلي وسع بشكل كبير من قدرات “مدارس اللهجات” التابعة له. حيث يخضع مجندون لدورات مكثفة مدتها ستة أشهر يتعلمون خلالها لغات ولهجات محلية.
وتشمل المناهج تدريبات صوتية، ودروسًا في الأمثال الشعبية والأغاني والمحادثات اليومية المقتبسة من الواقع.
ويقول ضابط إسرائيلي مسؤول عن هذه الدورات، رمز له بالحرف (ح): “الحرب في غزة أثبتت أننا بحاجة إلى الأذن التي تلتقط النبرة والعين التي تفهم التعبير”. مؤكدًا أن هذه التوجهات ستستمر لسنوات قادمة ضمن استراتيجية شاملة لإعادة بناء منظومة الاستخبارات البشرية.
العدو يتحدث لغتك
لا يقتصر التدريب على اللغة فقط، بل يمتد إلى دراسة المجتمعات العربية من منظور ثقافي وسياسي واجتماعي. بهدف بناء عناصر استخباراتية قادرة على قراءة “ما بين السطور”.
ووفق ضباط إسرائيليين، فإن المطلوب ليس مجرد مترجمين، بل عناصر قادرة على فهم كيف يفكر العرب، وما هي القيم التي تشكل رؤيتهم للعالم.
وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أعادت تفعيل وحدة كانت مهمشة سابقًا. وظيفتها التشكيك في الاستنتاجات السائدة وتقديم بدائل تحليلية مختلفة. بهدف تجنب ما وصفه أحد الضباط بـ”العمى الاستراتيجي” الذي أدى إلى فشل السابع من أكتوبر.
إعلام ناطق بالعربية
خطة الاختراق لا تتوقف عند الجانب العسكري، بل تمتد إلى الإعلام والدبلوماسية العامة. فقد أنشأت إسرائيل منذ سنوات صفحات رسمية ناطقة بالعربية لوزاراتها وسفاراتها. إضافة إلى المتحدث الرسمي باسم الجيش أفيخاي أدرعي. الذي يتفاعل مع الجمهور العربي على منصات التواصل الاجتماعي عبر رسائل دينية أو تهنئات بالأعياد.
في محاولة لتطبيع صورة المؤسسة العسكرية لدى المتلقين العرب .لتجاوز الحواجز النفسية والثقافية مع الشعوب العربية، ما يشكل –وفق التقرير– تهديدًا من نوع جديد يتجاوز البندقية والدبابة، ويستهدف العقول والوعي.
غزو ناعم.. حرب العقول
دان ميريدور، وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي السابق، أكد في حديث لبلومبيرغ أن الفشل في السابع من أكتوبر لم يكن سببه نقص المعرفة باللغة أو الآيات القرآنية. بل نتيجة لذهنية عدائية لم تبنِ أي جسور حقيقية مع العرب.
ويرى ميريدور أن إسرائيل لا تحتاج فقط إلى المزيد من المعلومات، بل إلى تغيير في طريقة النظر إلى الجيران، يركز على الحوار لا المواجهة المستمرة.