اللواء عبد الواحد في حواره لـ اليوم: لا نجاح لدمج الميليشيات دون معالجة جذور الصراع
اللواء عبد الواحد: "دمج الميليشيات يتطلب استراتيجيات مدروسة ورقابة صارمة"

دمج الميليشيات المسلحة في الجيوش الوطنية يعد من أبرز التحديات التي تواجهها الدول في مرحلة ما بعد النزاعات والصراعات، وهذه العملية تتطلب استراتيجيات دقيقة تشمل نزع السلاح، تسريح العناصر غير المؤهلة، ودمج العناصر القادرة ضمن القوات النظامية.
والهدف من هذا الدمج هو إعادة بناء مؤسسات الدولة العسكرية وتعزيز الأمن والاستقرار، لكن تواجهه العديد من التحديات المتعلقة بالولاء، الخبرات العسكرية، والتوازن الاجتماعي والثقافي بين الميليشيات والقوات النظامية.
وللتعقيب حول الموضوع، أجرى موقع “اليوم” حوارا صحفيا مع اللواء محمد عبد الواحد، الخبير في العلاقات الدولية وشؤون الأمن القومي، لتناول أبرز التحديات والاستراتيجيات المتعلقة بدمج الميليشيات المسلحة في الجيوش الوطنية، وكذلك مناقشة جوانب عملية الدمج وآليات التعامل مع الميليشيات المتمردة.
ما استراتيجية الدول لدمج الميليشيات المسلحة في القوات النظامية؟ وكيف يتم اختيار المؤهلين؟
الدمج هو عملية معقدة ومترابطة تتطلب خطوات مدروسة. تبدأ المرحلة الأولى بنزع السلاح، ثم تأتي مرحلة التسريح التي تشمل إعادة تصنيف أفراد الميليشيات إلى فئات مدنية أو عسكرية وفقًا للمتطلبات، أما المرحلة الثالثة فهي الدمج نفسه، حيث يتم إلحاقهم بالقوات النظامية مع ضمان توفير تدريب عسكري مناسب لهم.
وفيما يتعلق بالمعايير، يتم اختيار الأفراد المؤهلين بناءً على الكفاءة العسكرية والأخلاقية، بحيث يجب أن يكون لديهم مستوى جيد من التدريب العسكري، وألا يكون لديهم تاريخ من الانتهاكات أو النزاعات المرفوضة من قبل الدولة.
وعملية الدمج تتطلب رقابة صارمة لضمان التوافق بين الميليشيات والجيش النظامي، وهو أمر معقد جدًا خاصة في ظل التنوع الثقافي والاجتماعي والإيديولوجي بين الجانبين.
ما التحديات التي تواجه عملية الدمج وكيف يتم التعامل مع الميليشيات التي ترفض الاندماج؟
أهم التحديات التي تواجه عملية الدمج هي استمرار الصراع الداخلي، وهو ما يجعل من الصعب تنفيذ عملية نزع السلاح أو التسريح. وفي مثل هذه الحالات، تصبح عملية الدمج غير ممكنة، حيث يستمر التوتر بين الميليشيات والقوات النظامية.
كما أن بعض الميليشيات ترفض الاندماج لأنها لا ترى مصلحتها في ذلك، خاصة إذا كانت تحظى بدعم خارجي أو تسيطر على موارد اقتصادية كبيرة.
وفيما يتعلق بالميليشيات التي ترفض الاندماج، يجب أن يكون هناك تسوية سياسية تهدف إلى إنهاء الصراع، فضلًا عن توفير فرص اقتصادية حقيقية للمقاتلين في صفوف الميليشيات كي لا يشعروا بأنهم خاسرون نتيجة الدمج. التسوية السياسية والعدالة الانتقالية هما السبيل لإقناع هذه الميليشيات بالاندماج.
كيف يتم ضمان ولاء أعضاء الميليشيات المدمجة للدولة؟
ضمان الولاء للدولة يتطلب خطوات متعددة:
أولاً، يجب أن تتم عملية دمج الميليشيات في القوات النظامية تحت إشراف من الدولة وأجهزة الأمن القومي، مع التأكد من أن أفراد الميليشيات يتلقون تدريبًا مكثفًا يعزز من ولائهم للدولة.
ثانياً، يجب أن يتزامن الدمج مع تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمقاتلين الذين تم دمجهم، بحيث يتم توفير فرص عمل ومزايا لهم داخل الجيش أو في القطاع المدني.
ثالثًا، يجب أن تكون الدولة قادرة على تأكيد هيبتها وفرض سيادة القانون، وهو ما يجعل الانتماء للدولة أفضل من الانتماء لقيادات الميليشيات السابقة.
أما بالنسبة للقيادات السابقة، فيجب أن يكون هناك ضغط قانوني على من يرفضون الانصياع، مع ضمان عدم وجود حصانة لهم.
هل هناك خطط لإعادة تأهيل المقاتلين نفسيًا واجتماعيًا؟
هناك ضرورة ملحة لإعادة تأهيل المقاتلين نفسيًا واجتماعيًا. هؤلاء الأفراد عادة ما يكونون قد مروا بتجارب قاسية، وعملوا في بيئات مليئة بالعنف والتهديدات.
وإعادة تأهيلهم تشمل توفير برامج نفسية واجتماعية تهدف إلى مساعدتهم على إعادة الاندماج في المجتمع بشكل سليم، كما يجب أن تشمل هذه البرامج جلسات علاجية ومساعدة لتقوية الجانب الاجتماعي للمقاتلين.
أما بالنسبة للأفراد المتهمين بانتهاكات حقوق الإنسان، فإن هناك ضرورة لتطبيق العدالة الانتقالية، والتي تشمل محاكمات عادلة بناءً على الأدلة المتوفرة. على الرغم من أن بعض المقاتلين قد يكونون قد ارتكبوا انتهاكات، إلا أن محاكمتهم يجب أن تتم وفقًا للقانون، مع مراعاة الظروف التي مروا بها.
– هل يتم تلقي دعم مالي أو لوجستي من المجتمع الدولي لدعم الدمج؟
نعم، قد تلعب بعض الدول الغربية أو المنظمات الدولية دورًا في دعم عملية الدمج من خلال تقديم تمويل أو مساعدات لوجستية. ولكن من المهم أن يكون هذا الدعم مشروطًا بتحقيق تقدم حقيقي في عملية الدمج، بما في ذلك إنهاء الصراعات الداخلية وتحقيق تسوية سياسية.
الدعم اللوجستي والمالي يمكن أن يشمل تقديم تدريب للقوات النظامية الجديدة أو توفير الدعم المالي لمساعدتهم على تنفيذ مشاريع تنموية تهدف إلى توفير فرص اقتصادية للأفراد الذين يتم دمجهم.
هل تم الاستفادة من تجارب دول أخرى في دمج الميليشيات في جيوشها الوطنية؟
تم الاستفادة من تجارب دول أخرى في دمج الميليشيات في جيوشها. من أبرز التجارب التي يمكن الاستفادة منها هي تجربة العراق بعد عام 2003، وتجربة الفلبين، وكذلك التجارب في بعض دول أمريكا اللاتينية.
الدروس المستفادة تتمثل في ضرورة إشراك الميليشيات في العملية السياسية وخلق بيئة اقتصادية مستقرة بعد الاندماج. يجب أن يكون هناك مراقبة شديدة وتوجيه مستمر لتقليل فرص العودة إلى التمرد أو تشكيل ميليشيات جديدة.
أهم درس يمكن تعلمه هو أن عملية الدمج لا تتعلق فقط بنزع السلاح، بل بتقديم حوافز اقتصادية وتوظيفية للمقاتلين المنتمين للميليشيات، مما يساهم في استقرار العملية ويمنع ظهور ميليشيات جديدة.