عرش الرحمن.. أعظم المخلوقات وأقربها إلى الله

يحتل عرش الرحمن مكانة خاصة في العقيدة الإسلامية، فهو ليس مجرد مخلوق من مخلوقات الله، بل هو أعظمها وأعلاها شأنًا، وهو المخلوق الذي استوى عليه الله سبحانه وتعالى بطريقة تليق بجلاله وعظمته، دون تشبيه أو تمثيل.
هذه المكانة العظيمة جعلته موضع اهتمام واسع في القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث ورد ذكره في 21 موضعًا من القرآن، إضافة إلى العديد من الأحاديث التي تتحدث عن حجمه، موقعه، وملائكته الحاملين له.
تحدث الدكتور عبد اللطيف سليمان، أحد علماء الأزهر الشريف، خلال ظهوره في برنامج “وقفات” الذي تبثه قناة الناس، عن أهمية العرش ومكانته، موضحًا أن هذا المخلوق العجيب هو أول مخلوق خلقه الله بعد الماء، استنادًا إلى حديث النبي محمد ﷺ: “كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء”.
العرش.. المخلوق الأول في الترتيب الزمني
يستدل العلماء المسلمون على أن العرش هو أول مخلوقات الله من الحديث الشريف الذي ورد عن النبي ﷺ، حيث يبين أن الله كان موجودًا أزليًا بلا بداية، ثم خلق العرش فوق الماء، قبل أن يخلق السماوات والأرض وسائر الكائنات.
ويشير الدكتور سليمان إلى أن العرش ليس فقط مخلوقًا هائل الحجم، بل هو مركز تدبير شؤون الكون، إذ استوى الله عليه بعد خلق السماوات والأرض، كما جاء في سبعة مواضع من القرآن الكريم، منها قوله تعالى:
“إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ” (يونس: 3).
ويؤكد العلماء أن استواء الله على العرش ليس استقرارًا ماديًا كما هو حال المخلوقات، وإنما هو استواء يليق بجلاله وكماله، دون تشبيه أو تمثيل.
وصف العرش.. حجمه وموقعه في الكون
يُعد عرش الرحمن أكبر وأضخم المخلوقات على الإطلاق، وهو أعلى المخلوقات من حيث الموقع، حيث يقع فوق السماوات السبع، ويحيط بالكون بأسره. وقد وصفه النبي محمد ﷺ في حديثه قائلًا:
“ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة”.
هذا التشبيه يعطينا تصورًا عن مدى ضخامة العرش، حيث يفوق الكرسي (الذي هو مخلوق آخر عظيم الحجم) بأضعاف هائلة، فكيف بالقياس إلى السماوات والأرض؟
كما أن العرش ليس جامدًا، بل هو مخلوق ذو حياة، يسبح بحمد الله، وتُحيط به الملائكة العظام الذين يحملونه.
الملائكة الحاملون للعرش.. أعظم الخلق من الملائكة
ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة الحاقة قوله:
“وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ” (الحاقة: 17).
وقد بيّن النبي محمد ﷺ في حديثه أن حملة العرش من أعظم الملائكة وأشدهم قوة، مشيرًا إلى ضخامة خلقهم، فقال:
“أُذِنَ لي أن أحدّث عن ملك من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام”.
وهذا يدل على أن حملة العرش ليسوا مجرد ملائكة عاديين، بل هم من أعظم الملائكة خلقًا وقوةً وهيبةً، وكل ما يقومون به هو تسبيح الله وتمجيده وحمل عرشه العظيم.
العرش.. سقف الجنة ومقام الفردوس الأعلى
أحد أعظم مزايا عرش الرحمن أنه سقف الجنة، وبالتحديد سقف الفردوس الأعلى، أعلى درجات الجنة، التي يسعى المؤمنون لدخولها فقد جاء في الحديث الشريف:
“إذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس الأعلى، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن”.
وهذا يجعل المؤمنين في حالة دائمة من الشوق إلى بلوغ الجنة، خاصة الفردوس الأعلى، لأن موقعها ملاصق لعرش الرحمن، مما يعكس مدى عظمتها وقيمتها عند الله.
العرش يوم القيامة.. هل يفنى؟
طرح الدكتور سليمان سؤالًا مهمًا حول مصير العرش يوم القيامة، وهل سيكون ضمن المخلوقات التي تفنى يوم “طوي السماء” كما قال الله تعالى:
“يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ” (الأنبياء: 104).
وأوضح أن العرش لن يفنى، بخلاف السماوات والأرض، لأن الله سبحانه وتعالى لم يذكر فناؤه، كما لم يذكر في أي نص شرعي أن العرش سيُزال أو يُدمر.
بل يظل باقيًا، لأنه ليس مخلوقًا مؤقتًا مثل الكون المادي، بل هو أعظم وأعلى المخلوقات مكانةً واستقرارًا.
العرش قائم بعون الله وقدرته
أكد الدكتور سليمان أن العرش ليس محمولًا بقوة مادية فقط، بل هو قائم بعون الله وقدرته. واستشهد بحديث النبي ﷺ:
“لا حول ولا قوة إلا بالله”.
وأوضح أن هذه الجملة تعكس حقيقة أن كل شيء في الكون، بما في ذلك العرش، لا يقوم إلا بأمر الله وقدرته، مما يجعل العرش مخلوقًا معتمدًا بالكامل على قوة الله، وليس قوة الملائكة الحاملين له.
التأمل في العرش.. وسيلة لزيادة الإيمان بالله
اختتم الدكتور سليمان حديثه بالتأكيد على أن التفكر في عرش الرحمن يزيد من الإيمان، لأن التأمل في عظمة هذا المخلوق الهائل يعكس لنا مدى قوة الله وقدرته اللامحدودة.
وقال: “علينا أن نتأمل في هذه الآيات والأحاديث بقلوب خاشعة، لأن العرش يدل على عظمة الخالق، وعندما ندرك ضخامته وعظمته، نزداد يقينًا بأن الله هو العظيم القادر على كل شيء”.
بهذا، يظل عرش الرحمن ليس مجرد مخلوق عظيم، بل دليلًا على قدرة الله المطلقة، ومصدرًا للإلهام الإيماني لكل من يتأمل في عظمته، ليزداد قربًا من الله، راجيًا رحمته، وطامحًا إلى بلوغ الفردوس الأعلى تحت ظل هذا العرش العظيم.