شهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة، وهو موسم يتسابق فيه المسلمون لفعل الخيرات والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة. ومن بين العبادات العظيمة التي يُندب إليها المسلم في هذا الشهر الكريم تفطير الصائمين، وهو عمل يجمع بين العبادة وحب الخير للآخرين. فقد ورد عن النبي ﷺ قوله: “من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء” (رواه الترمذي).

لكن ما هو فضل تفطير الصائمين في ضوء القرآن والسنة؟ وما رأي العلماء في هذه العبادة؟ وكيف يمكن للمسلمين اليوم تطبيق هذه السنة النبوية العظيمة في حياتهم؟ هذا ما سنناقشه في تحقيقنا الصحفي.

إفطار الصائم في ضوء القرآن الكريم

حثّ القرآن الكريم المسلمين على الإنفاق وإطعام الطعام، خاصة في أوقات الحاجة والعبادة. ومن الآيات التي تشير إلى فضل إطعام الطعام، قوله تعالى:

﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۝ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ۝ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ (الإنسان: 8-10).

هذه الآية تبين فضل من يطعم الطعام ابتغاء وجه الله، حيث يكافئه الله بالحماية من أهوال يوم القيامة. ويدخل هذا الفضل في تفطير الصائمين، لأن الطعام المقدم لهم يُعتبر من أشرف صور الإنفاق.

كما أن الله تعالى جعل من صفات أهل الجنة إطعام الطعام، فقال سبحانه:

﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ۝ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ۝ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ (البلد: 14-16).

وهذه إشارة واضحة إلى أن إطعام الطعام، وخاصة في أوقات الحاجة، سبب في الفوز بالجنة.

تفطير الصائم في السنة النبوية

أكدت السنة النبوية فضل تفطير الصائمين، حيث قال النبي ﷺ:

“من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء” (رواه الترمذي وابن ماجه).

وقد كان رسول الله ﷺ يحرص على إطعام الناس ودعوتهم إلى الإفطار، كما ثبت أنه كان يتفقد الصحابة ويتأكد من أنهم يجدون ما يفطرون به.

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال في خطبته عن رمضان:

“وهو شهر المواساة، وشهر يُزاد فيه رزق المؤمن، من فطَّر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنوبه وعتقًا لرقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء” (رواه ابن خزيمة في صحيحه).

آراء العلماء حول تفطير الصائمين

اتفق العلماء على أن تفطير الصائم من الأعمال الصالحة التي يُستحب للمسلم الإكثار منها في رمضان.

• قال الإمام النووي: “تفطير الصائمين سنة مؤكدة، وقد وردت فيه الأحاديث الكثيرة الدالة على عظم فضله وعلو درجته عند الله”.
• وقال ابن باز رحمه الله: “تفطير الصائمين من أسباب المغفرة والرحمة، ومن أفضل الأعمال التي ينبغي للمسلم الحرص عليها في رمضان”.
• وقال ابن عثيمين رحمه الله: “يكفي في فضل تفطير الصائم أن من قام به نال أجر الصيام كاملاً دون أن ينقص من أجر الصائم شيء”.

أنواع تفطير الصائمين وكيفية تطبيقه اليوم

يمكن لكل مسلم أن يشارك في تفطير الصائمين بطرق مختلفة، منها:

1. إعداد موائد الرحمن في المساجد والأماكن العامة للفقراء والمحتاجين.
2. توزيع وجبات الإفطار الجاهزة على العمال، واللاجئين، والمسافرين.
3. المساهمة في التبرعات المالية لصالح الجمعيات الخيرية التي تنظم مشاريع إفطار الصائمين.
4. توزيع التمر والماء على الطرقات وقرب الإشارات المرورية قبل وقت الإفطار.
5. دعوة الأصدقاء والجيران للإفطار، مما يعزز الألفة والمودة بين المسلمين.

قصص ملهمة من الواقع

يروي أحد المتطوعين في جمعية خيرية: “قمنا العام الماضي بتوزيع 10,000 وجبة إفطار يوميًا، وشهدنا مواقف مؤثرة، مثل رجل بسيط كان يأتي يوميًا ليساعدنا رغم حاجته، وكان يقول: ‘أنا لا أملك المال، لكن أملك يدي لأساعد في توزيع الطعام’، وكان مشهده يبعث فينا الأمل”.

وفي قصة أخرى، كان هناك رجل أعمال يخصص كل عام ميزانية ضخمة لمشروع إفطار الصائمين في الأحياء الفقيرة، ولم يكن أحد يعرف ذلك حتى توفي، فوجدوا أن هذا المشروع كان يُدار باسمه سرًا.

خاتمة

إفطار الصائمين ليس مجرد عمل خيري، بل هو عبادة عظيمة تقرب المسلم من الله، وتحقق التكافل الاجتماعي، وتعزز الروابط الإنسانية بين أفراد المجتمع. فليحرص كل مسلم على المشاركة في هذا الخير، وليتذكر أن الله يضاعف الأجر لكل من ينفق في سبيله.

نسأل الله أن يجعلنا جميعًا من أهل الخير والعطاء في هذا الشهر الفضيل، وأن يكتب لنا الأجر العظيم في كل لقمة نقدمها للصائمين.