الإعلامية هيام أحمد :تكتب «خبير للطريق»

يا ليتني كنت أعرف خبيرًا للطريق شخصًا يحمل في عقله خريطةً للحياة، يرشدني حين تتوه خطاي،ويهمس لي بالحكمة حين تصمت الأصوات ويعلو ضجيج التيه، نحن نمشي في هذه الحياة بثقلٍ لا يشعر به أحد، نبدأ طريقنا بآمال عريضة، نتصور أن العالم منصف، وأن القلوب التي تبتسم لنا ستظل بجانبنا، لكن شيئًا فشيئًا، ندرك أن الطريق ليس مفروشًا بالحقيقة واليقين ، بل بالأسئلة بالندوب بالاختبارات التي تأتي دون سابق إنذار،كم مرة تمنيت لو أن هناك خبيرًا لهذا الطريق؟شخصًا يخبرني متى أتوقف عن الجري خلف سراب الأحلام المستحيلة، ومتى أصر على المضي رغم التعب؟
كم مرة شعرت أنني وحدي،بينما يهرب الآخرون في طرقهم الخاصة، يتساقطون من حياتي وكأنهم لم يكونوا يومًا جزءًا منها؟ كلما تقدمنا في الطريق، ازداد البعد بيننا، ليس لأن المسافات تغيرت، بل لأن القلوب لم تعد تحتمل ثقل البقاء،الي الهروب الكبير،الحياة مليئة بالفارين،من كان يدعي الحب،لكنه أول من غادر حين أصبح البقاء مكلفًا،من شاركك الضحك، لكنه تلاشى عند أول دمعة،من وعدك أن يكون سندًا،لكنه تحول إلى عبء إضافي،كلهم كانوا يعبرون معي الطريق،لكنهم لم يكونوا خبراء فيه،كانوا مجرد عابرين،يتلمسون خطاهم مثلي، يبحثون عن مخارج للطوارئ، عن فرص للهرب قبل أن تغرق السفينة، فالطريق يحتاج إلى خبير صادق، لا يبيع الوهم، ولا يهرب عند أول منعطف،بل يقول الحقيقة كما هي، حتى لو كانت موجعة،لأن الصدق وحده هو ما ينير العتمة ،حين لا تجد مرشدًا، كن أنت الخبير،لكن ماذا لو لم يكن هناك خبير للطريق؟ ماذا لو لم يظهر ذلك الحكيم الذي كنت أتمنى أن يرشدني؟ حينها،لا خيار أمامي سوى أن أكون ذلك الخبير لنفسي،أن أصنع حكمتي من تعثري، أن أفهم أن الحياة ليست عادلة لكنها قابلة للفهم، وأن الطريق ليس واضحًا لكنه قابل للاستكشاف،تعلمت أن لا أنتظر من يمسك بيدي،بل أن أصنع لنفسي عصا الاتزان،أن لا أبحث عن الأمان في الوجوه المتغيرة،بل في قوتي الداخلية، أن لا أهرب مثل الآخرين، بل أواجه،ولو كنت وحدي.
النهاية ليست في الفرار،بل في الفهم
في النهاية، لا أحد يعرف الطريق كاملًا، لكن بعضنا يملك شجاعة الاستمرار فيه،أولئك الذين لا يهربون هم من يصنعون الأثر، هم من يتحولون إلى خبراء بعد أن خبروا الألم، بعد أن ذاقوا الحيرة ولم يستسلموا لها، ظننت أنني أحتاج خبيرًا للطريق،ولم أدرك أنني لم أكن أعرف نفسي بعد كنت أبحث في الخارج،بينما كانت البوصلة ضائعة في داخلي، يا ليتني كنت خبيرةً بالطريق،لكنني كنت غريبة عن نفسي،أبحث عن الإجابات في كل مكان،بينما كانت الحقيقة حبيسة عقلي، تنتظر مني أن أصغي،يا ليتني كنت أعرف خبيرًا للطريق لكن ربما،في هذه الرحلة،كنت أبحث عن شخص آخر بينما كان يجب أن أبحث عن نفسي، الحياة طريق طويل،مليء بالعبر والاختبارات،فلا تضع ثقتك في من يعبره معك،بل ضعها في الله الذي يمسك بيدك حين يتخلى الجميع،اللهم لا تتركني لنفسي طرفة عين، وكن دليلي حين تتشابه الطرق، ورفيقي حين يخذلني الرفاق،