المفتي: لا تعارض بين العقل والنقل في القضايا الغيبية بل تكامل وتناغم

أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الديار المصرية، أن العلاقة بين العقل والنقل في القضايا الغيبية ليست علاقة تعارض أو تصادم، وإنما تكامل وتعاضد، مشيرًا إلى أن العقل له دور في فهم بعض الجوانب الغيبية من خلال التأمل والتدبر، وهو ما يتجلى في آيات القرآن الكريم التي تدعو الإنسان إلى التفكر في خلق الله.
جاء ذلك خلال حديثه في برنامج “حديث المفتي”، المذاع على قناة “الناس”، حيث أوضح أن الإيمان بالغيب لا يعني إقصاء العقل، بل يتطلب توجيهه للتأمل في آيات الله الكونية، مما يعزز الإدراك العقلي لحقيقة الإيمان.
وجود الله.. التقاء الدليل العقلي والنقلي
أوضح مفتي الديار المصرية أن إثبات وجود الله تعالى هو أحد أبرز المواضع التي تتلاقى فيها الأدلة العقلية والنقلية، مستشهدًا بقول الله تعالى:
“أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ” (الغاشية: 17-20).
وأشار إلى أن هذه الآية تحث الإنسان على استخدام عقله في التأمل في المخلوقات، مما يقوده إلى الإيمان بوجود الله ووحدانيته، مؤكدًا أن القرآن لم يفرض الإيمان بالغيب كأمر قهري، بل دعمه بأدلة عقلية تقود الإنسان إلى التسليم به.
العقل ودوره في فهم حكمة الله في الخلق
شدد المفتي على أن العقل لا يُقصى عن القضايا الغيبية، بل له دور في إدراك حكمة الله في خلقه، مشيرًا إلى أن التأمل في النظام الكوني المحكم يكشف عن صفات الله، مثل علمه وحكمته وقدرته، مستشهدًا بقوله تعالى:
“لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” (يس: 40).
وأوضح أن هذه الآية تجسد الانضباط الدقيق في الكون، مما يؤكد أن هناك خالقًا حكيمًا يدبر الأمور بحكمة متناهية، وهو ما يمكن للعقل أن يدركه من خلال التأمل في قوانين الكون وسننه.
الوحي.. المصدر الرئيسي للمعرفة الغيبية
أكد مفتي الجمهورية أن الوحي هو المصدر الأساسي للمعرفة الغيبية، لكنه لا يلغي دور العقل، بل يمكن للعقل أن يدرك إمكانية الوحي وصدق الأنبياء من خلال المعجزات، التي تعد دليلًا عقليًا على صدق رسالاتهم.
وأوضح أن المعجزات تأتي على خلاف المألوف لكنها تبقى ضمن نطاق ما برع فيه القوم، مما يجعلها حجة عقلية على صحة دعوة الأنبياء، مشيرًا إلى أن العقل يمكنه التدبر في هذه المعجزات وفهم دلالاتها، مما يعزز الإيمان بصدق الوحي.
القرآن.. منهج يجمع بين العقل والنقل
اختتم المفتي حديثه بالتأكيد على أن القرآن الكريم جاء بمنهج متوازن يجمع بين العقل والنقل، بحيث لا يلغي أحدهما الآخر، بل يجعلهما في علاقة تكاملية تحقق الفهم الصحيح للإيمان، مشددًا على ضرورة التأمل في آيات الكون، لأنها تقود العقل إلى التسليم بحقائق الغيب دون تعارض أو تنافر.