مقالات

الإعلامية هيام أحمد: تكتب«نحن الأطفال»

نحن نشعر بكم، لسنا مجرد كائنات صغيرة تلهو وتمرح، ولا عقولًا لم تكتمل بعد، نحن نشعر بكم أكثر مما تظنون، نرى تعابير وجوهكم، نسمع نبرة أصواتكم، نلتقط ارتجافة أيديكم حين تخفون وجعكم عنا، ونحفظ كل تلك التفاصيل الصغيرة التي تعتقدون أننا لا ننتبه لها، حين تعودون إلى المنزل متعبين، حتى لو حاولتم أن تبتسموا، نشعر بكل شيئًا حين تتحدثون بصوت هادئ، لكن عيونكم ممتلئة بالحزن، نعرف أنكم تتألمون. وحين تحاولون إخفاء الدموع في زحام المسؤوليات، نشعر أننا نريد أن نحمل معكم جزءًا من هذا الحمل، لكننا لا نعرف كيف،نحن مرآة مشاعركم

كل ما تشعرون به ينعكس فينا، إن كنتم سعداء، نصبح كالزهور التي تتفتح مع شروق الشمس، وإن كنتم غاضبين أو قلقين، نشعر كأن السماء قد انطفأت فوق رؤوسنا، الأطفال ليسوا مجرد متلقين للحياة، نحن نبضها الخفي، نقرأ المشاعر حتى لو لم تقال، ونحمل ما لا يحمل، ببراءة قد تظنونها جهلًا، لكنها في حقيقتها إدراك نقي للعالم من حولنا، لكننا لا نحتاج فقط إلى فهم مشاعركم، بل نحتاج أن تشعروا بنا أيضًا، لا نريد فقط أن تسألونا هل تناولت طعامك؟ أو هل أنجزت واجبك؟ بل نريد أن تسألونا هل أنت سعيد؟بماذا تحلم؟ما الذي يخيفك؟ نحن نحتاج أن تشاركونا عالمكم، لا أن تتركونا نراقبكم من بعيد لا تبخلوا علينا بمشاعركم حين تخبروننا عن يومكم، نشعر أننا جزءٌ من حياتكم. حين تأخذوننا في أحضانكم بلا سبب،نشعر أننا ننتمي حين تسمعون أحلامنا، مهما بدت لكم بسيطة، نشعر أننا مهمون، نحن لا نطلب معجزات، نطلب فقط أن تعاملونا كأرواحٍ مكتملة، لا كأطفالٍ عليهم أن ينتظروا حتى يكبروا ليشعروا بالحياة، نحن الأطفال، نحتاجكم كما تحتاجوننا. فكونوا معنا بقلوبكم، كما نحن معكم بقلوبنا الصغيرة التي تتسع لكل شيء، إن مرحلة الطفولة هي الأرض الخصبة التي تنبت بذور المستقبل في نفوسنا، فالتربية الصحيحة ليست مجرد توجيه وإنما هي النسيج الذي يشكل شخصية الإنسان بأدق تفاصيلها، ففي حضن الأسرة، تتلاقى عاطفة الحنان مع صرامة الانضباط، فترسَم معالم عقلية وروحية قادرة على إحداث ثورة في عالم المعرفة والإبداع، يمكن أن تخرجنا إلى ضوء الحياة عالمًا، دكتورًا، وكاتبًا ينير دروب الإنسانية. وفي المقابل، فإن غياب هذه الرعاية أو تحريفها عن مسارها الأصلي يترك أثرًا عميقًا من الانحراف، فيولد من رحم الإهمال شخصية تتشتت قواها وتضيع قيمها، لتتحول إلى متحرش أو سفاح ، أو مجرمه، التربية ليست مجرد مرحلة عابرة، بل هي القدر الذي يحدد ملامح المستقبل ويصنع مصير الأجيال، يا مجتمعنا العزيز، في خضم صخب الحياة الحديثة وتشتت القيم، تأتي هذه الرسالة لتذكيرنا بأننا كبشر مرتبطون بجذور لا تتجزأ من الإنسانية، إن كل فردٍ منا يحمل في قلبه بذور الأمل والتغيير، وهي تنبت عندما نحيي في نفوسنا قيم المحبة والعدل، والتسامح
ليس علينا أن ننظر فقط إلى ما نفعله، بل إلى من نصنعه في داخلنا؛ فأطفالنا، بأحلامهم البريئة، هم مرآة مستقبلنا، الرعاية الحانية والتعليم الراسخ، هما المفتاحان لبناء جيل ينبض بالصدق والعطاء، لا يهاب من التصدي للظلم، ولا يتوانى عن حمل رسالة الإنسانية والرحمه إلى العالم.

دعونا نعيد النظر في أولوياتنا، ونفتح قلوبنا لفهم الآخر، بعيدًا عن الضغينة فلنعمل معًا على إعادة بناء الثقة بيننا، على احترام الاختلاف، وعلى مشاركة آلامنا وأفراحنا، بهذه الطريقة فقط سنتمكن من صنع مجتمع يسوده الأمان، يتوهج بروح الإبداع، ويزدهر بأصالة قيمنا وتراثنا.
إننا بحاجة اليوم إلى شجاعة الاعتراف بأخطائنا، وإلى عزيمة لا تلين لبداية جديدة، حيث يكون العدل مرسومًا في وجوه الجميع، والحب لغة يتحدث بها الجميع، لنجعل من هذه اللحظة نقطة انطلاق نحو مستقبل تنسج فيه خيوط الأمل على نسيج كل قلب، ويزدهر فيه معنى الإنسانية الحقيقي، اللهم اجعل أطفالنا زهورًا تنمو في بستان قلوبنا، اللهم ارزقنا القدرة على بناء جيلٍ يتسم بالنقاء والصدق، يكون لك في الأرض سفيرًا ينشر نور العلم والإحسان، ويكون سببًا في نشر المحبة والعدل بين الناس،
اللهم اجعل تربية أولادنا رحلة شراكة معك، تنسجها خيوط من الحكمة والرحمة، وتمنحهم القوة ليرسموا مستقبلًا زاهرًا يمتلئ بالنجاح والإبداع.
يا رب، اغمرنا برحمتك التي لا تنضب، واجعل من بيوتنا منارات حبٍ وسلام، تضيء دروب الأجيال القادمة بالعلم والإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights