
في إكمال لجرائم إبادة تنوعت أشكالها، وارتفعت بشاعتها دون سقف، رفع جيش الاحتلال اليوم- الإثنين- عدد شهداء الصحفيين الذين قتلهم بالاستهداف المباشر في غزة منذ بداية الحرب إلى 208 شهيد، عقب اغتياله الصحفيين “محمد عماد منصور وحسام شبات” بفارق ساعة واحدة
البداية قد لا تكون حاضرة وسط كم الجرائم المتصاعدة في القطاع منذ أكتوبر 2023، لكن الشاهد فيها أن طيران الاحتلال دائما ما يوجه نيرانه صوب حامل الميكروفون والقلم، ومن “سامر أبو دقة وحمزة الدحدوح” مرورت “بإسماعيل الغول ورامي الريفي وأيمن الجدي” ووصولا إلى “منصور وشبات”، لم يجد الاحتلال تلك اليد التي تكبله وتمنع تماديه في الجرائم، فتعالى حتى عن تقديم مبررات لجرائمه، ولما لا يفعل طالما يجلس الضمير العالمي منها في مقعد المتفرج الأصم.
شهيد ينعي شهيد
اليوم قصف الاحتلال بشكل عمدي سيارة الشهيد الصحفي “حسام شبات”- مراسل قناة الجزيرة مباشر شمال قطاع غزة- في شارع صلاح الدين شمال القطاع، وذلك إبان تغطيته لجرائم اغتيال المدنيين في الطرقات شمال القطاع. وتم تشييع جثمانه منذ قليل في جباليا شمال القطاع.
استشهاد الزميل الصحفي حسام شبات، مراسل الجزيرة مباشر، إثر استهداف مباشر لسيارته من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. pic.twitter.com/0Y4uwfR969
— أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) March 24, 2025
وبينما لم يمض على استشهاده سوى ساعة، كتب منذ ساعتين على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: “مصابون إثر استهداف سيارة مدنية في حي الجرن شمالي غزة”.
وذلك بعد دقائق من منشور نعيه لزميله الشهيد الصحفي “محمد منصور” الذي سبقه بنحو ساعة، حيث كان الوقت بين نشر المنشور وإعلان استشهاد “شبات” 57 دقيقة فقط، إذ لم يكن الكاتب يدري أنه أسرع اللاحقين بزميله.
في غزة
الجريح يقتل— حسام شبات (@HossamShabat) March 23, 2025
أما على موقع التواصل الاجتماعي إكس، فكان آخر ما كتب “شبات” نعيه لشهداء قصف مجمع ناصر الطبي في خانيونس ليلة أمس، فكتب يقول: “في غزة… الجريح يقتل”، حيث قتل القصف جريحين من نزلاء قسم الجراحة بالمستشفى.
ضلك بتحكي… الصورة بتحكي
في غزة لا أمان لصحفي حتى في بيته، فقد اغتال طيران الاحتلال الصحفي “محمد منصور”- مراسل قناة فلسطين اليوم- وذلك في قصف شقته في خانيونس جنوب القطاع.
وحسب تصريح والده لوسائل الإعلام: كان منصور في بيته وسط أهله، ومالبثت الصواريخ الإسرائيلية أن ضربت المنزل، ما أسفر عن إصابته بجراح خطيرة أدت لانفجار الشريان الرئيسي في عنقه، ليلقى ربه قبل أن يتمكن أهله من إسعافه.
وقد التقطت عدسات وسائل الإعلام مشهد والدته بينما تحتضن جثمانه وتصرخ: “والله مش مصدقة، كنت بدي أزورك”، ووالده الذي يودعه قائلا: “كان مثابرا في شغله ولا يتواني في عمل الخير، الله يرحمك ويسهل عليك يا أبا..”.
لكن أقسى مشاهد وداعه، كان مشهد الأب المكلوم بينما يمسك الميكروفون الذي كان ابنه يستخدمه ويضعه أمام وجهه، ويقول: “ضلك احكي للعالم… الصورة بتحكي”…
جريمة لا تجد عقاب
أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة استشهاد الصحفيين الذي رفع حصيلة شهداء الصحفيين في القطاع إلى 208 صحفي شهيد، وأدان الجرائم ضد الصحفيين، داعيا المؤسسات والأجسام الصحفية في العالم سرعة التحرك لإدانة تلك الجرائم التي وصفها “بالممنهجة ضد الصحفيين والإعلاميين” في القطاع.
وحمل المكتب الاحتلال بالشراكة مع الإدارة الأمريكية وداعميه من الدول الأوروبية المسؤولية عن جرائم الإبادة الجماعية التي تجري في غزة، مطالبا المجتمع الدولي بإدانة جرائم الاحتلال “وردعه وملاحقته في المحاكم الدولية”.
أما مركز حماية الصحفيين الفلسطينيين (PJPC) فقد عرض أبعاد الجرائم المتصاعدة ضد الصحفيين حيث اغتال الاحتلال اثنين منهم في يوم واحد، ليصل شهداء الصحفيين في شهر واحد 7 شهداء، في ظل الصمت الدولي.
وأدان جريمة اغتيال “منصور وشبات”، مطالبا المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته القانونية والأخلاقية لوقف الجرائم الإسرائيلية ضد الصحفيين وأهل غزة، دون أن تجد من يحاسبها على تلك الانتهاكات.
بعد اغتيال 208 صحفي، أضحى كل صحفي شهيد رقم جديد يضاف لسلسلة جرائم لا يلقى مرتكبها عقاب، إذ اطفأ تكرار الجريمة وتصعيد مستوى بشاعتها كل يوم فجيعة تلقيها، فأضحى الصحفي رقم تنطبق عليه مقولة ذلك الكاتب المصري الدكتور “علاء عمر” في إحدى رواياته: “يبقى الشهيد أو المصاب رقما حتى تطالك المأساة”.