العلم والدين والذكاء الاصطناعي.. مصر في قلب أوروبا برسالة أزهرية جامعة

زغرب، عاصمة كرواتيا، حيث تلتقي ثقافات الشرق والغرب، كان للخطاب الديني المصري حضور لافت ومؤثر. زيارة وزير الأوقاف المصري، الدكتور أسامة الأزهري، لم تكن مجرد مشاركة بروتوكولية في مؤتمر دولي، بل حملت بين سطورها رسائل حضارية تعكس موقع مصر الأزهري والثقافي كجسر بين العوالم.
المؤتمر، الذي يحمل عنوانًا مثيرًا للتأمل: “العلم والدين والذكاء الاصطناعي: الجوانب الأخلاقية – التآزر لا الشك”، لم يكن حدثًا أكاديميًا عابرًا، بل ملتقى فكريًا عميقًا جمع مفكرين وعلماء دين وفلاسفة من خلفيات ثقافية ودينية متعددة، في محاولة لفهم كيف يمكن للتكنولوجيا – بكل ما تثيره من أسئلة أخلاقية – أن تتناغم مع الإيمان لا أن تصطدم به.
مصر.. الحضور الثقيل في المشهد الدولي
من اللحظة الأولى لوصول الوزير إلى زغرب، بدا واضحًا أن حضوره يحمل دلالة أكبر من مجرد تمثيل رسمي. الاستقبال الحافل من قبل السفير المصري في كرواتيا، عصام بدران، وسماحة مفتي المسلمين في كرواتيا، الدكتور عزيز حسانوفيتش، عكس ما لم يقله البروتوكول: لمصر مكانة لا تزال حاضرة بقوة في ضمير العالم الإسلامي، خاصة حين يتعلّق الأمر بالفكر الديني الرصين والمنفتح.
لم يأتِ الأزهري فقط ليتحدث، بل ليُصغي ويتفاعل ويقدّم طرحًا متوازنًا يربط بين مقاصد الشريعة وأخلاقيات العلم، بين عبادة التفكير وحدود التدخل البشري في خلق الله. كلمته المرتقبة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ستتناول، كما أُعلن، الرؤية الإسلامية للعلم والتعلم، ومتى يكون العلم فريضة ومتى يكون خطرًا.
كرواتيا.. تجربة تعايش تستحق التأمل
لكنّ الملفت في زيارة الوزير لم يكن المؤتمر فقط، بل إشادته المتكررة بتجربة المسلمين في كرواتيا. تجربة تبدو لكثيرين بعيدة عن الأضواء، لكنها – كما وصفها الأزهري – نموذج يُحتذى به في التعايش الإيجابي، والاندماج دون ذوبان، والمواطنة التي لا تتناقض مع الهوية الدينية.
في كرواتيا، الدولة ذات الأغلبية الكاثوليكية، يحظى المسلمون باعتراف رسمي كامل، وينعمون بحرية دينية يحسدهم عليها كثير من مسلمي أوروبا. دور العبادة تُبنى، والمناهج تُدرّس، والمفتي يُستشار. وقد بدا من حديث الوزير أنه يرى في هذه التجربة ما ينبغي أن يُصدّر للعالم كصورة واقعية عن التعايش بعيدًا عن التنميط والصراعات.
الذكاء الاصطناعي بين القداسة والأداة
موضوع المؤتمر يفتح أبوابًا كثيرة للنقاش. كيف يمكن أن يتعامل الدين مع الذكاء الاصطناعي؟ هل هو “خلق” جديد أم “أداة” بيد الإنسان؟ ما هو الحد الفاصل بين استخدامه في الخير واستغلاله في الشر؟ كل هذه الأسئلة تجد في مثل هذه المؤتمرات منبرًا للنقاش الرصين.
وهنا يأتي الدور الحقيقي لمصر – ليس كمجرد دولة ذات تاريخ ديني عريق، بل كصاحبة مشروع فكري يسعى للتجديد دون تفريط، والتحديث دون قطيعة. والوزير الأزهري، بوصفه أحد وجوه هذا المشروع، يحمل على عاتقه مهمة إيصال هذا الصوت إلى العالم، خاصة في بيئات أوروبية تبحث عن التوازن بين العقلانية والعقيدة.
خاتمة
زيارة وزير الأوقاف إلى زغرب ليست مجرد رحلة دبلوماسية، بل انعكاس لمعادلة أعمق: حين يلتقي الدين بالعلم في مناخ من الاحترام والتعددية، يمكن أن يولد من رحم الحوار أفقٌ جديدٌ للإنسانية. في وقت يتسابق فيه العالم في ميدان الذكاء الاصطناعي، تذكّرنا مثل هذه اللقاءات أن الأخلاق لا يجب أن تُترك في الخلف، وأن الضمير الديني قد يكون بوصلتنا الوحيدة لعدم الانجراف نحو مستقبل بلا روح.