مقالات

مصطفى فرغلي يكتب: وجع الحروب على قلوب الشعوب

لا شك أن للحروب وطأة ثقيلة على أرواحنا وحياتنا، فمخطئ من يظن أن شررها يحرق فقط ساحات القتال بموت جندي أو تدمير مركبة عسكرية، فالحرب حتى لو تلونت ببريق نصر، سواء أكان نصرًا حقيقيًا أو زائفًا، لا بد أن تخلف وراءها ندوبًا عميقة في قلوب الأوطان، وفواجع لا تُنسى في الأرواح التي تُزهق، والممتلكات التي تُباد، وكل ما بنيناه بجهد، فلا شك أن للحروب أثرًا بالغًا على الفرد والمجتمع والدولة والعالم أجمع.

في الحروب، لا يوجد منتصر حقيقي؛ فالكل خاسر، وحتى من يُعلَن فوزه في الحرب، يعود مثقلاً بالخسائر؛ فكيف تكتمل فرحة وطن فقد شبابه؟ أي نصر هذا الذي يُقام على أنين الأمهات ودموعهن، وعلى آهات الجرحى والمصابين؟ إنه نصر مرير، طعمه مرارة الفقد، والخاسر الأكبر دائمًا هم نحن، الشعوب، فكل رصاصة تنطلق لا تقتل فردًا واحدًا فقط، بل تقتل عالمًا بأكمله، تقتل رجلاً ويتبعها حزن أم وأب وابن وزوجة وأسرة وأصدقاء حزن يمتد مدى الحياة، فلا تغترّ بنصر يخلف وراءه أحزانًا أبدية. هل هذا انتصار حقًا حين تُزهق روح طفل، أو يُقتل شيخ أو امرأة، أو تُدمّر مستشفى، أو يُهدم بيت يأوي عائلة آمنة فتُقتل أو تُشرّد؟.

لقد شاهدنا – وما زلنا نشاهد – كيف تجلب الحروب الخراب، فهي ليست مجرد صواريخ تنهمر، أو مباني تتهاوى، بل هي حياة يتوقف نبضها، ومستقبل يُسرق من بين أيدينا، وذاكرة وطن تمتلئ بصور الفقد الموجعة.

في الحروب تتأثر الأرض كلها: الإنسان، والطير، والحيوان. حين تُهدم البيوت، يضيع الأمان الذي ألفناه، وحين يغيب المأوى والطعام، تتألم أرواحنا قبل أجسادنا؛ الحرب لا تعرف رحمة، ولا تفرّق بين صغير وكبير، ولا بين جندي ومدني؛ فالكل سواء: إما قاتل أو مقتول.

ما هي الحرب؟

كثيرون منا يستهينون بالحروب، أو يتهاونون بشأنها، ويتجاهلون فظاعتها دون فهم حقيقي لمعناها، خصوصًا في هذه المرحلة التي أنعم الله علينا فيها بالأمن والأمان؛ نسأله دوام السلامة لبلادنا وأن يحفظها من شر الفتن والنقم.

لكن الحقيقة أن الحرب هي صراع مسلح بين دول مختلفة، أو بين جماعات متناحرة داخل الوطن الواحد، وغالبًا ما تُستخدم فيها القوة والعنف والوسائل العسكرية لتحقيق غايات سياسية أو اقتصادية أو دينية أو إقليمية أو أيديولوجية. ببساطة، الحرب هي غياب السلام، وحضور العنف.

خسائر الحروب

تتسبب الحروب في خسائر بشرية مروّعة، وتترك آثارًا عميقة تمتد إلى مختلف جوانب حياتنا، فلها آثار اجتماعية ونفسية طويلة الأمد على الأفراد والمجتمعات، منها الصدمات النفسية، وتدهور الصحة العقلية، واضطراب العلاقات الاجتماعية، إلى جانب التغيّرات السياسية والجغرافية.

كما تخلف الحروب أزمات إنسانية كارثية، كنقص الغذاء والماء والرعاية الطبية، فضلاً عن الدمار الذي يلحق بالتراث الثقافي والبيئة الطبيعية.

الحروب وقتل الأطفال والنساء والشيوخ

لا أحد يصفق لحروب تقتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، كيف يمكن لكوكبنا أن ينجو من هذه الكوارث؟ من قتل الطفولة البريئة، وقصف المستشفيات التي يُفترض أن تكون ملاذًا آمنًا، وتعطيل عمل المنظمات الدولية التي تسعى لتقديم العون؟ أين الضمير العالمي؟ وأين ذهبت إنسانيتنا؟

أيها العالم، الأطفال ليس قدرهم أن يروا الدماء والأشلاء، بل من حقهم أن يعيشوا آمنين مطمئنين، لا يحق لأحد أن يحولهم إلى أشلاء دامية بدلًا من أن يكونوا فرحين يلعبون في بيوتهم وأوطانهم.

أيها العالم المنافق، ماذا فعل لكم أطفالنا – أطفال المسلمين والعرب تحديدًا – حتى تستهدفهم حروبكم بهذه الوحشية التي تقشعر لها الأبدان وتذرف لها العيون دمًا؟ أم أن الطفولة لا تُحترم إلا إذا كانت على أرض غربية؟ هل يصبح الطفل إنسانًا فقط إذا كان من غرب الأرض؟.

تخيلوا طفلًا يصرخ تحت النيران والأنقاض، يتمزق جسده الصغير في لحظة بفعل صواريخكم كل يوم!

لا أظن أن طفلًا رأى كل هذه الأهوال سيؤمن يومًا أن من سعى لقتله بالأمس، وقتل كل أهله وأحبائه، يمكنه أن يحبه أو يسعى للسلام معه؛ أي سلام هذا الذي يجعل من قاتل الأب والأم بالأمس قاتلًا لأبناء ذلك الطفل في الغد؟ كفى كذبًا، كفى أذًى للأطفال الأبرياء، كفى نفاقًا.

أيها الحكام العقلاء… لا الجهلاء

تجنبوا الحروب والقتل. فالحرب لا تجلب إلا الموت واليُتم، والدمار، والألم، والترمّل، والمعاناة النفسية، والتشرد، والجوع، والعطش. العنف لا يولّد إلا عنفًا، ولا يوجد حل يفرضه القتل.

انظروا إلى ما حدث في فلسطين واليمن وأوكرانيا… انظروا إلى حجم الدمار والتشريد، لماذا لا يتعلم الإنسان من تجارب الشعوب التي اكتوت بنار الحروب؟

أيها الحكام، ابتعدوا عن الحروب، والجأوا إلى الحوار بدلًا من السلاح، فالحوار وحده هو السبيل لتحقيق السلام، والتعايش، وقبول الآخر.

الحوار هو الطريق لتقريب وجهات النظر والتوصل إلى قواسم مشتركة، على أساس الاحترام المتبادل والرغبة في العيش المشترك، لا الاحتلال والسيطرة وقمع الشعوب بالحديد والنار.
أحبوا لغيركم ما تحبونه لأنفسكم، فالحروب لا تخدم مصالح الشعوب أبدًا، بل تدمرها؛ السلام وحده هو أمل الإنسان وغاية مبتغاه، أما الحرب فهي المأساة واللعنة والدمار، للإنسان والحجر والحيوان.

الحرب كارثة ونكبة، تحمل في طياتها الدمار والخراب والموت والهلاك، وهي أداة لتقويض السلام بين الشعوب، وتكشف عن الوجه الوحشي للبشر، أما السلام، فهو قيمة إنسانية وحضارية سامية، وهو من أسماء الله الحسنى، لعظيم أثره في حياة الإنسان والمجتمع.

السلام هو الطريق الأمثل لحل النزاعات، وهو الذي يضع مصلحة الإنسان أولًا، ويدعم الأمن والاستقرار، ويُثمر رخاءً اقتصاديًا، وازدهارًا للأمم والمجتمعات البشرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى