
شهدت بغداد، اليوم السبت 17 مايو 2025، انعقاد القمة العربية الرابعة والثلاثين في أجواء استثنائية يختلط فيها الغضب الشعبي العربي على ما يجري في غزة، والآمال المعقودة على انفراجة سياسية إقليمية بعد القرار الأميركي ـ العربي برفع العقوبات عن سوريا. وفي مبنى الحكومة بالمنطقة الخضراء احتشد القادة والزعماء العرب، وإلى جانبهم مسؤولون أمميون وإقليميون ووفود دولية – أبرزها إسبانيا كضيف أوروبي – لإعادة صوغ مقاربة مشتركة تجاه ملفات غزة، وسوريا، ولبنان، واليمن، والأمن العربي الجماعي.
وبدأ المشهد الافتتاحي بتسليم البحرين رئاسة الدورة إلى العراق عبر وزير خارجيتها عبد اللطيف بن راشد الزياني، الذي أعلن دعم المنامة لخطة «التعافي المبكر لإعمار غزة» وترحيبها بإلغاء العقوبات عن دمشق. من تلك اللحظة تتابعت كلمات الرؤساء ورؤساء الحكومات ثم وزراء الخارجية فالمسؤولين الدوليين، في ماراتون خطابي دام ساعات، انصبت جميعه تقريباً على ثلاث ثوابت: وقف العدوان على غزة فوراً، دعم قيام دولة فلسطينية مستقلة، والترحيب الجماعي بعودة سوريا المتدرجة إلى الحضن العربي.
كلمات الرؤساء والزعماء العرب في القمة العربية 34
الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد
افتتح باب المداخلات الرئاسية بالتنديد «بعمليات إبادة جماعية ممنهجة» تستهدف الفلسطينيين، ورفض «الإملاءات والتدخلات» في الشؤون العربية.
كما أعرب الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد عن رفض بلاده لجميع سياسات الإملاءات والتدخلات الخارجية التي تمس سيادة وأمن الدول العربية، مؤكدًا على أن الشعب الفلسطيني يتعرض لـإبادة جماعية ممنهجة تهدف إلى تصفية وجوده من أراضيه. وجدد دعم العراق لحقوق الشعب الفلسطيني ورفض التهجير بجميع أشكاله.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس
خلال كلمته في القمة العربية المنعقدة اليوم في بغداد، حذّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أنّ الأوضاع الراهنة في قطاع غزّة «تنال من المساعي الرامية إلى إقامة الدولة الفلسطينية» وتضع «القضية الفلسطينية أمام مخاطر وجودية».
كما دعا القادة العرب إلى صياغة خطة موحَّدة لوقف الحرب على غزة، وإلى ممارسة ضغوط لإلزام حركة حماس وسائر الفصائل بتسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية، بما يسمح للأخيرة بتولّي مسؤولياتها وصلاحياتها كاملة في القطاع.
وأكّد الرئيس الفلسطيني استعداده لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فور تهيُّؤ الظروف، مشيراً إلى استمرار الجهود من أجل توحيد الصف الوطني الفلسطيني.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
في كلمته، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن قمة بغداد تنعقد وسط ظروف معقدة وغير مسبوقة، تتطلب وقفة عربية موحدة، مشيرًا إلى أن السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
حمل خطاباً حادّاً: «أطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالضغط على إسرائيل لتحقيق سلام دائم»، مؤكداً أن الدولة الفلسطينية هي «الطريق الوحيد للخروج من دوامة العنف»، ومحذّراً من مساعي تحويل غزة إلى «مكان غير قابل للحياة». كما اعتبر رفع العقوبات عن سوريا فرصة لاستعادة استقرارها، وربط أمن باب المندب والبحر الأحمر بإجماع عربي أشمل.
وأكد السيسي على تنسيق مصر مع قطر والولايات المتحدة لوقف إطلاق النار في غزة، لافتًا إلى أن إسرائيل تسعى لتحويل غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة.
كما أشار إلى أهمية استثمار رفع العقوبات عن سوريا لصالح تطلعات شعبها، مؤكدًا دعم استقرار لبنان وضرورة تنفيذ القرار 1701، إضافة إلى دعوته لإعادة الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود
أكد أن القضية الفلسطينية تمثل “اختبارًا حقيقيًا لوحدة الصف العربي”، ورحب بخطوة رفع العقوبات عن سوريا، معتبرا إياها خطوة مهمة على طريق استعادة الاستقرار للسوريين
كلمات رؤساء الوزراء المشاركين في القمة العربية 34
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني
أكد السوداني رفض العدوان المستمر على غزة وأدان التهجير القسري والانتهاكات الإسرائيلية في لبنان. كما أعلن تأسيس صندوق عربي لإعادة الإعمار بعد الأزمات، وأوضح أن العراق يساهم فيه بمبلغ 20 مليون دولار لإعمار غزة و20 مليونًا لإعمار لبنان.
وكشف عن 18 مبادرة لتنشيط العمل العربي المشترك، وأكد دعم بلاده للمفاوضات الأميركية – الإيرانية بشأن النووي، بالإضافة إلى دعم وحدة سوريا، ورفض الهيمنة على أراضيها.
وجدد دعوته لتفعيل دور “الأونروا”، ودعم الاستقرار في السودان، وليبيا، ولبنان، واليمن، مع التركيز على محاربة الإرهاب وضمان حقوق الفلسطينيين.
رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام
عبّر عن واقع أكثر صعوبة موضحاً : «نواجه انتهاكات إسرائيلية يومية واحتلالاً لمواقع لبنانية»، مع التأكيد علي الالتزام بالقرار 1701 و وفرض السيادة الوطنية وحصر السلاح بيد الدولة،وأن مواكبة الاشقاء العرب ودعمهم لدولة لبنان في هذه المسيرة لهو عامل اساسي في انجاحها وفي سياق أخر رفض سلام التوطين أو تهجير الفلسطينيين. كما رأى أن تخفيف الضغط على دمشق ورفع العقوبات عن سوريا سينعكس إيجابيًا على لبنان إنسانياً واقتصادياً. داعيًا إلى عودة كريمة للاجئين السوريين. وكذلك، أكد علي سعي لبنان الى ضبط الحدود، ومنع التهريب بكافة أشكاله لما فيه من مصلحة مشتركة للبلدين .
رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان
رئيس الوزراء الأردني، جعفر حسان: “الأردن سيستمر في دوره التاريخي في حماية ورعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس في إطار الوصاية الهاشمية عليها.وأن الانتهاكات والاعتداءات في القدس والضفة الغربية، ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، لن يجلب الأمن والسلام لإسرائيل، وسيبقي المنطقة في دوامة الصراعات والحروب التاريخية.. مستقبل المنطقة؛ أمنها واستقرارها أساسه حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، سلام يعيد كامل حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على التراب الوطني الفلسطيني، لتعيش بأمن وسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل، على أساس حل الدولتين”، كما رحّب بقرار رفع العقوبات عن سوريا، ودعم جهود لبنان في بسط سيادته.
رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز
دعا إلى وقف دوامة العنف في غزة وإنهاء الأزمة الإنسانية، مشيرًا إلى أن بلاده ستضاعف الضغط على إسرائيل باستخدام كل الوسائل القانونية.
وكشف سانشيز عن تحضير مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناشدة المحكمة الجنائية الدولية بتجريم إسرائيل بسبب انتهاكاتها، مضيفًا أن الأزمة الإنسانية في غزة خلفت أكثر من 50 ألف قتيل، في انتهاك سافر للقانون الدولي الإنساني.
كلمات وزراء الخارجية في القمة العربية 34
وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني
أعرب عن شكره للمملكة العربية السعودية وتركيا على وساطتهما في لحظة تاريخية مهمة، وكذلك لدول الخليج وقطر والأردن وكل الدول التي دعمت سوريا في هذه المرحلة. وأكد أن رفع العقوبات ليس نهاية، بل بداية طريق للتعاون العربي لتحقيق التنمية والأمن القومي والاستقرار في المنطقة.
وأشار إلى أن سوريا تعود اليوم إلى حضنها العربي لتجاوز الانقسامات، مؤكداً أن سوريا للجميع بلا إقصاء أو تهميش، وأن الخطوات العربية لكسر العزلة مهمة جداً لمصلحة الجميع. كما نبه إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة تهدد الاستقرار الإقليمي، مؤكداً التزام سوريا باتفاق فصل القوات في الجولان لضبط الحدود وأمن الجنوب السوري.
وختم بالتأكيد على أن سوريا ستظل جزءاً من الأمة العربية، داعياً لتجاوز الخلافات والتوحد لبناء مستقبل أفضل.
وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني
أكد دعم بلاده لـ”خطة التعافي المبكر لإعادة إعمار غزة”، ووقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية. كما عبّر عن ترحيب البحرين برفع العقوبات الأميركية عن سوريا.
وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة
ألقى قنبلة دبلوماسية صغيرة بإعلانه إعادة فتح سفارة الرباط في دمشق بعد إغلاقها منذ 2012، رابطاً الخطوة بـدعم الشعب السوري الأبي ووحدة أراضيه، كما أشار إلى انتهاكات جسيمة في غزة، داعيًا إلى وقف الحرب وضمان وصول المساعدات الإنسانية، مؤكدًا دعم المغرب للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها.
كلمات المسؤولون الدوليون والإقليميون في القمة العربية 34
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس
شدد على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام مستدام في الشرق الأوسط. ووصف ضم الأراضي وتوسيع المستوطنات بأنها إجراءات غير قانونية، وأدان سياسة “العقاب الجماعي” ضد المدنيين الفلسطينيين. مؤكداً أنها غير مقبولة
وأشار إلى جهود الأمم المتحدة لإنهاء النزاعات في ليبيا، وصولاً إلى انتخابات حرة.، ورحب برفع العقوبات عن سوريا، معتبرًا ذلك “خطوة رائعة”. مبدياً استعداد المنظمة لدعم عملية سياسية يقودها السوريون
الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط
اعتبر أن رفع العقوبات عن سوريا سيساعد شعبها في استشراف مستقبل أفضل، محذراً من أن الأمن القومي العربي ما زال بعيد المنال بسبب «الأطماع والتدخلات»، وملوّحاً بأن «السياسات الإسرائيلية المتهورة» تُبقي المنطقة في حلقة عنف لا تنتهي و دوامة من المواجهة، وانتقد سلوك الحوثيين في اليمن، والانقسامات التي تهدد وحدة ليبيا، مؤكدًا على أهمية حصر السلاح في يد الدولة في لبنان.
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي
قال إن الميليشيات أصبحت تهديدًا عابرًا للحدود، داعيًا إلى تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية نتيجة انتهاكاتهم المستمرة. مندداً «بتدخلات خارجية» كما شدد على رفض تهجير الفلسطينيين، وأعرب عن دعمه لمبادرة السعودية وفرنسا لحل الدولتين والاعتراف الفعلي بالدولة الفلسطينية
رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمد علي يوسف
أوضح أن قمة بغداد تمثل “فرصة لتفعيل الشراكات مع الدول العربية”، مديناً الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة.
الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه
قال: “نأمل تفعيل كل الجهود لضمان حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته”.
عضو مجلس السيادة السوداني، إبراهيم جابر
عضو مجلس السيادة السوداني، إبراهيم جابر، أكد أن المنطقة العربية تواجه تحديات كبيرة، مشدداً على التزام السودان بتنفيذ خارطة الطريق التي وضعتها قمة بغداد لمواجهة هذه التحديات. ودعا إلى دعم الوثيقة التنموية التي قدمها السودان، والتي تركز على تفعيل الاستثمار وتعزيز القطاع الزراعي، بهدف تمكين السودانيين من إعادة إعمار بلادهم التي تأثرت بشدة جراء الحرب.
وقد حضر القمة شخصياً عدد من الزعماء منهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمد، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي.
وترأس وفد المملكة العربية السعودية عادل الجبير، في حين كان الشيخ منصور بن زايد آل نهيان على رأس وفد الإمارات. كما ترأس وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وفد بلاده في القمة العربية بالعراق.
كما شهدت القمة حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز.
وختاماً على مدار ساعات مكثّفة، بدا المشترك بين جميع الحضور أكبر من أي وقت مضى: وقف فوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، عودة سوريا التدريجية إلى مؤسسات العمل العربي، وإطلاق مسار تنموي ـ إعماري تقوده بغداد عبر صندوق جديد بتمويل أولي عراقي. ومع أن البيان الختامي سيبقى رهين التنفيذ، فإن قمة بغداد 34 سجلت سابقة نادرة في إجماعها شبه المطلق على العناوين الثلاثة الكبرى: فلسطين، سوريا، وتحصين الأمن العربي الجماعي.