مقالات

مصطفى فرغلي يكتب: إن ربكم يستعتبكم

في لحظة وقوع الزلزال لسان حال من يشعر به يقول يارب أين المفر؟ فقد تقشعر الجلود والأبدان وتفزع القلوب ويتوقف العقل أين أذهب؟.

في لحظة وقوع الزلزال تتحرك بعض القلوب المتحجرة ويُنطق الله بعض الألسنة المتوقفة عن الذكر بالذكر والدعاء يارب لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ومنهم من يتذكر الموت وينطق الشهادة، إنها لحظات عصيبة لا يدري الإنسان أين يذهب وكأن الله يقول لنا يا عبد الله أين المفر.

في الكون رسالة ربانية قد تأتيك فجأة من القادر المقتدر، فيها إيقاظ للغافلين، وتنبيه للمعرضين المقصرين في حق ربهم، ودعوة إلى عدم الاغترار بالدنيا، أو التعلق بالنعم، فقد يسلبها في لحظة.

الزلازل والبراكين والأعاصير والصواعق من جملة آيات ﷲ -تعالى- التي يحدثها في الكون، إذ في ثوان معدودة يحدث مثل هذا التغير العظيم والدمار الجسيم، الذي لا تستطيع قوة في الأرض مهما عظمت أن ترده.

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند حدوث الصواعِقَ : “اللهمَّ لا تَقتُلْنا بغَضَبِكَ ولا تُهلِكْنا بعَذابِكَ وعافِنا قبلَ ذلك”.

فالزلازل ليست محلاً للسخرية فهي آيات تقرع بها القلوب الزلازل جند من جنود الله، يذكر الله بها عباده، ويهز بها قلوب الغافلين؛ ليريهم ضعفهم بين يديه.

الزلازل هي آية الله التي يخوف بها عباده، قال الله تعالى: {وَمَا نُرسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخوِيفًا} فإن الله يخوف الناس بما شاء من آية لعلهم يعتبرون، أو يذكرون، أو يرجعون، والزلازل في معناها الباطني هي هزة قلبية قبل أن تكون أرضية.

الزلازل في عهد صحابة رسول الله.

قد أصاب الكوفة بعهد ابن مسعود رضي الله عنه زلزال فقال: “يا أيها الناس إن ربّكم يستعتبُكم”.

وقال عمر بن عبدالعزيز في الزلازل: ” إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به العباد ” ، وقال سيدنا علي رضي الله تعالي عنه : “ما اهتزت أرض تحت قوم إلا من كثرة ذنوبهم “.

فهذه الزلازل ليست ظاهرة طبيعية، بل هي رسالة من الله لكل غافل وفاسد وظالم وعاصي فالواجب حينئذ التوبة والاستغفار، والالتجاء إلى الله بالدعاء؛ كي يرفع غضبه وسخطه عنا، قبل أن يأتي ما هو أعظم.

فإذا رأيتم آية من آيات الله، فتذكروا قدرة الله عليكم، واكثروا من الصلاة والذكر والصدقة، قَالَ رَسول اللَّه صلى الله عليه وسلم «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فادعوا الله، وكبروا وصلوا وتصدقوا» رواه البخاري.

هذه الآيات تدل على العظمة والسلطان والجبروت، الله عز وجل ينذر عباده بالآيات الكونية إذا لم تفدهم الآيات الشرعية: قال الله عز وجل: ﴿ { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} ﴾ ، من فوائد الآية الكريمة ، بيان حكمة الله تبارك وتعالى في الإنذار، وأنه سبحانه وتعالى ينذر الناس بالآيات الكونية إذا لم تفدهم الآيات الشرعية، وهذا كثير، كالكسوف والزلازل والفيضانات والصواعق.

الحكمة من الآيات الكونية.

في القرآن الكريم ما يزيد على ألف آية تتحدث عن معالم هذا الكون، وتذكر مفرداته من السماوات والأرض، والشمس والقمر، والكواكب والنجوم، والجبال والبحار والأنهار، والمطر والرعد والبرق.

وهذه الآيات الكونية وما تدل عليه من حقائقَ علمية، لم تُذكر في القرآن الكريم لمجرد الذكر، أو من أجل بيانها للناس ودلالتهم عليها ابتداءً، وإنما هي سِيقت مساقًا تابعًا للغرض والهدف الذي ذُكرت في ثناياه، من الاستدلال بها على قضايا كبرى؛ كالألوهية والنبوات والبعث.

فهذا الكون وعجائبه وتنوعه علامات بيِّنة تُثبت قدرة الله وحكمته ووحدانيته لمن يتفكر ويتدبر.

قال ابن القيم رحمه الله في بيان الحكمة من هذه الآيات الكونية: “ولهذا يستدل سبحانه في كتابه بالحوادث تارة، وباختلافها تارة؛ إذ هذا وهذا يستلزم ربوبيته وقدرته واختياره، ووقوع كل الكائنات على وفق مشيئته، فتنوع أفعاله ومفعولاته من أعظم الأدلة على ربوبيته وحكمته وعلمه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights