
تقرير: مروة محي الدين
“والله، والله، والله لن نسامحكم على صمتكم وخذلانكم لنا. ما تجرأ الاحتلال على قتل أطفالنا ودفننا أحياء إلا لأنكم صمتم، وسكتّم عن الإبادة “… هكذا كانت رسالة الصحفي “أنس الشريف” إلى العالم، الذي يقف متفرجا على المجاعة والإبادة، التي يطحن بها الاحتلال قطاع غزة وأهله.
رسالة من قلب شمال غزة إلى العالم الظالم المتخاذل
والله، والله، والله لن نسامحكم على صمتكم وخذلانكم لنا.
ما تجرأ الاحتلال على قتل أطفالنا ودفننا أحياء إلا لأنكم صمتم، وسكتّم عن الإبادة .— أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) May 15, 2025
وذلك إبان زيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” للخليج، ما طرح التساؤلات عن وجود غزة وأهلها والمأساة التي يعيشونها على طاولة الزيارة، التي وصفها محللون بأنها تعيد ترتيب الواقع في المنطقة العربية، تساؤلات سعينا للإجابة عليها في السطور التالية.
خيبة أمل
ارتفعت الآمال كبيرة إلى السماء مع أنباء زيارة “ترامب” إلى الخليج، حيث عُقِدَت على ضغط حكام الخليج عليه لإيقاف الإبادة الجماعية بغزة، وإدخال المساعدات الإنسانية إليها، لتنتهي الزيارة بحالة إحباط لم تكن متوقعة، قال عنها اللواء أ.ح الدكتور “سمير فرج”- الخبير العسكري والمدير السابق للشئون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية- في تصريحات خاصة لموقع اليوم:
“ما حدث كان مفاجئًًا لنا جميعا، إذ كان الجميع ينتظر أن تلك الجولة ستنتهي بقرار وقف القتال ودخول المساعدات، وأن ترامب سيكون قادرًا على إجبار نتنياهو على ذلك، ولكن ما حدث أن طوال جولته التي استمرت لأربعة أيام لم يستطع ذلك، لاسيما وأنه تم التوصل لاتفاقات بشأن ما يحدث وما يجب عمله، ولكن في النهاية لم نسمع قرار بوقف القتال ولا بدخول المساعدات، ما شكل خيبة أمل كبيرة للجميع، بعد أن كانت الآمال قد ارتفعت حين لبى طلب رفع العقوبات عن سوريا”.
وبينما تصرخ منظمة الصحة العالمية من انهيار الوضع الصحي العام في غزة، نتيجة للنقص الخطير في الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية، واقتراب نفاد مخزوناتها من الإمدادات الطبية، بما يهدد بعواقب وخيمة ما لم يتم التحرك لإدخال المساعدات والإمدادات الطبية للقطاع؛ كان ترامب يتجول في الخليج ويعقد الصفقات بتريليونات الدولارات، ويستضاف في القصور ويبدي إعجابه بقصر “لوسيل” بقطر، ويهدى بطائرات بمئات الملايين من الدولارات، ويكرم بالدروع الذهبية في الإمارات، دون أن يأتي أحد على ذكر الوضع المأساوي في غزة.
قوة رأس المال
على الرغم من تصريح “ترامب” في مطلع الجولة- الذي أثار قلقا لدى الاحتلال، حين وصف ما يجري في غزة “بالحرب الوحشية“، وقف قبيل نهايتها يباهي بنتائجها، إذ تخطت قيمة الصفقات فيها 4 تريليونات دولار، ما جعله يصفها “بالجولة التاريخية”، وقال: “لم يسبق أن حققت جولة مماثلة هذا الحجم من الصفقات خلال 4 أو 5 أيام”، بيد أن رؤوس الأموال تلك لم يكن لها أي قوة ضاغطة على الأرض لإنهاء الحرب في القطاع.
وقد أوضح اللواء “فرج” الأبعاد الحقيقية لتلك القوة، فقال: “مرجعية ذلك وقف ورائها أن كل بلد اكتفت بمطالبها ونفسها ولم تفكر في غزة، فبينما توسطوا لرفع العقوبات عن سوريا، فتمت الاستجابة لهم، لم يحدث ذلك مع غزة إذ نسيها الجميع، وأخرجوها من المعادلة بشكل كامل، فلم تعدوا التصريحات بشأنها حدود الكلمات”.
وتابع: “حتى الدول التي تشدقت منها برعاية السلام والسعي لإنهاء الحرب، اتضح مؤخرًا إن ذلك كان في إطار إيجاد دور سياسي لها ووجود على الطاولة”.
وهو ما يفسر الصمت العربي إزاء تصريحات الرئيس الأمريكي المثيرة للجدل- في نهاية الجولة- التي أعاد التأكيد فيها على عزمه احتلالها وإفراغها من أهلها، لإنشاء منطقة حرية فيها، بعد أن تمتلكها الولايات المتحدة، فقال: “سأكون فخورًا لو امتلكت الولايات المتحدة غزة وجعلتها منطقة حرية”.
حسن نية
قبيل بدء الزيارة بساعات، قدمت حماس بادرة حسن نية للرئيس الأمريكي، فأطلقت سراح الأسير الإسرائيلي الأمريكي “عيدان ألكسندر” دون قيد أوشرط، كما أعلنت استعدادها للتخلي الآن وقبل انتهاء الحرب عن حكم غزة، وتسليمه للجنة فلسطينية محايدة- وفقا للمقترح المصري.
الأمر الذي اعتبره محللون بادرة حسن نية، قد تفضي لتقدم المفاوضات أوإدخال المساعدات، ولكن جاءت المفارقة أن ذلك لم يحدث، بل زادت وحشية العمليات العسكرية بالقطاع، وزاد ضغط التجويع ليضاعف أعداد الضحايا، ويمحو عائلات بأكملها من سجلات الأحياء.
أيها العالم لم يتبقَّ في عروقنا دم
نزفناه ذبحًا وقتلًا في مجازر لا تتوقف
وتجمّد أطفالنا بردًا وجوعًا وخوفًا
اللهم إنّا بلّغنا
اللهم فاشهد— أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) May 16, 2025
وفي هذا، قال اللواء “فرج”: “في اعتقادي أن مفاوضات إخراج عيدان ألكسندر كانت الآمال معقودة عليها، لتشجيع ترامب للضغط علي نتنياهو لوقف الحرب أو إدخال المساعدات، لكن الأخير لم يرضخ لضغطه ورفض طلبه، وما نفى قدرته على الضغط الفاعل أنه سار في مفاوضات الإفراج عن أليكسندر بدون أن يعلم رئيس حكومة الاحتلال”.
وفي ختام تصريحاته “لليوم“، نفى الخبير العسكري المخضرم وجود نتائج من وراء ما يتردد عن تغير الموقف الأمريكي تجاه غزة، بعد تصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية من تفاقم الوضع فيها، إذ لم تفض إلى نتائج، ولم تعدوا كونها كلمات في الهواء، كما لم يتحول الموقف الأمريكي لفعل ينهي هذا الوضع المأساوي.
ومن واقع حالة عدم الفعل وعدم اليقين التي تطغى على الوضع، الذي كانت مآلاته في غزة من وجهة نظر “فرج” سلبية، حيث توقع أن ينفذ فيها الاحتلال أحد سيناريوهين: الأول أن “يجمع الاحتلال أهلها في منطقة صغيرة، ثم يستولي على باقي القطاع”، والثاني: أن “يهجرهم قسرًا إلى بلد آخر، ويستولي على كامل القطاع”، لتغيب في رؤيته تلك القشة التي يبحث عنها الغرقى ليتعلقوا بها قبل أن تبتلعهم الأمواج، فلا يبقى لغزة سوى آمال علقها محللون على القمة العربية في بغداد، نستعرض جوانبها ونتائجها على الأرض في الحلقة القادمة…