تقارير-و-تحقيقات

فقه الأضحية.. بين شعائر الإيمان وآداب الذبح الشرعي

 

تقرير: مصطفى على

في كل عام ومع اقتراب أيام عيد الأضحى، تتجدد الأسئلة حول أحكام الأضحية: متى تبدأ؟ متى تنتهي؟ ما شروط وآداب الذبح؟ وكيف تُقسَّم الأضحية؟ وقد أجابت دار الإفتاء المصرية عن هذه الأسئلة تفصيلًا عبر موقعها الرسمي، مبينة الأبعاد الشرعية والروحية لهذه الشعيرة العظيمة التي تُعد من أبرز مظاهر شكر النعمة والتقرب إلى الله تعالى.

وقت نحر الأضحية: من صلاة العيد حتى غروب شمس التشريق

أوضحت دار الإفتاء المصرية أن للأضحية وقتًا محددًا لا تصح خارجه، مستندةً إلى الحديث النبوي الشريف: «كل أيام التشريق ذبح»، كما رواه الإمام أحمد في “المسند” والبيهقي في “السنن الكبرى” وهذا ما يجعل الأضحية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتوقيت الشرعي الذي لا يجوز تجاوزه.

فبحسب ما جاء في بيان الإفتاء، يبدأ وقت نحر الأضحية عقب أداء صلاة عيد الأضحى مباشرة في يوم النحر، أي اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، ويستمر حتى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.

وتشير الدار إلى أن الذبح في النهار هو الأصل، وذلك لأنه أظهر لهذه الشعيرة وأضبط للعملية، فضلًا عن أن تقديم اللحم طازجًا أفضل للفقراء والمحتاجين. وبذلك، يُتاح أمام المسلمين أربعة أيام، من يوم العيد حتى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، للقيام بهذه الشعيرة.

شروط وآداب ذبح الأضحية: فقه الرحمة والاحترام

في سياق متصل، نشرت دار الإفتاء تفصيلًا مهمًا حول الشروط والآداب التي يجب مراعاتها عند ذبح الأضحية، سواء من حيث الأداء الفني أو الروحي، بما يعكس روح الإسلام في الرحمة بالحيوان واتباع السنة النبوية في الذبح.

1. استخدام آلة حادة

من أول شروط الذبح الشرعي أن يكون باستخدام آلة حادة تضمن إنهاء حياة الذبيحة بأسرع وسيلة وأقل ألم ممكن، مراعاة للرحمة بالحيوان.

2. الإسراع في الذبح

حثت دار الإفتاء على التعجيل في عملية الذبح بعد التسمية، لتقليل المعاناة النفسية والجسدية للذبيحة، وهو ما يتفق مع الهدي النبوي الشريف.

3. التوجه إلى القبلة

من آداب الذبح التي نقلها العلماء أن يُستقبل الذابح القبلة، وتُوجَّه إليها الذبيحة كذلك إذ إن القبلة هي جهة التوحيد، والاستقبال بها فيه تعظيم لشأن هذه العبادة. وقد نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما كراهيته أكل ذبائح لم تُوجه إلى القبلة.

4. إحداد الشفرة خارج مرأى الذبيحة

من السنن المؤكدة ألا يرى الحيوان آلة الذبح قبل استخدامها، استنادًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أتريد أن تميتها موتات؟! هلا حدَّدت شفرتك قبل أن تضجعها» وتدل هذه التوجيهات النبوية على الحرص الكامل على الرفق بالحيوان حتى في لحظة ذبحه.

5. إضجاع الذبيحة برفق على شقها الأيسر

بينت دار الإفتاء أن العلماء اتفقوا على أن إضجاع الذبيحة يكون على جانبها الأيسر، لتسهيل العملية على الذابح الذي يستخدم اليد اليمنى، مع مراعاة أن الذابح الأعسر قد يعكس هذا الوضع. ويستثنى من هذا الإبل التي تُنحر قائمة.

6. سَوق الذبيحة برفق إلى موضع الذبح

الرفق بالذبيحة لا يقتصر على لحظة الذبح، بل يمتد إلى قيادتها نحو المذبح، دون إرهاب أو عنف.

7. عرض الماء على الذبيحة قبل الذبح

من المستحب أيضًا أن تُعرض المياه على الذبيحة، وهو تصرف يُشعر الحيوان بالراحة ويقلل من توتره قبل الذبح.

8. عدم المبالغة في القطع

من الأدب ألا يُبالغ الذابح في القطع حتى لا يصل إلى النخاع أو يفصل الرأس تمامًا أثناء الذبح، لأن ذلك قد يسبب ألمًا زائدًا للذبيحة، وهو ما نهت عنه الشريعة الغراء كذلك، لا يجوز سلخها قبل التأكد من موتها التام، إذ في ذلك تعذيب لا ضرورة له.

كيف تُقسم الأضحية؟ دليل الشرع في توزيع اللحم

أكدت دار الإفتاء المصرية أن توزيع الأضحية له طابع تعبدي وإنساني في آنٍ واحد، حيث يستحب تقسيم الذبيحة إلى ثلاثة أثلاث:

ثلث للمضحي وأهل بيته

ثلث للإهداء

ثلث للتصدق على الفقراء والمحتاجين

لكنها أشارت إلى أن هذا التقسيم على سبيل الاستحباب، وليس الفرض. أي أنه لا حرج على المضحي إذا أكل أكثر من الثلث أو تصدق بأقل أو أكثر، لأن المقصود هو تحقيق النفع ونشر البركة.

وقد استندت الدار إلى أثر ابن عمر رضي الله عنهما في هذا الشأن: “الضحايا والهدايا: ثلث لك، وثلث لأهلك، وثلث للمساكين.”، مما يعكس روح التوازن في الشريعة بين التمتع بالنعم والتكافل الاجتماعي.

اللحم هو المقصود بالتقسيم

أوضحت دار الإفتاء أن المقصود بتقسيم الأضحية هو لحمها فقط، فهو الذي يُنتفع به، أما الأحشاء مثل الكبد وغيرها، فيُستحب تقسيمها لكن لا إثم في عدم فعل ذلك أما الرأس، فهي من حق المضحي ولا يجوز بيعها أو إعطاؤها للجزار مقابل أجره، التزامًا بالأحكام الشرعية.

بين الشعيرة والرسالة: الأضحية في ميزان الرحمة والامتثال

إن أحكام الأضحية وشروطها ليست مجرد تفاصيل فقهية، بل هي تعبير عن فلسفة روحية عميقة تتجلى فيها رحمة الإسلام وإنسانيته من تحديد الوقت بدقة، إلى مراعاة الآداب عند الذبح، إلى توزيع اللحم بما يحقق التكافل، يتجلى حرص الشريعة الإسلامية على أن تكون كل خطوة في هذه الشعيرة منضبطة ومفعمة بالنية الطيبة والتقوى.

والأضحية ليست فقط طقسًا عباديًا، بل هي تذكرة سنوية بمعاني التضحية والبذل والطاعة، وهي فرصة لإعادة بناء جسور الرحمة بين الناس، عبر مشاركة اللحم، وتخفيف معاناة الفقراء، وإحياء سنة النبي الكريم ﷺ.

حين تتحول الشعائر إلى قيم

في خضم اللهاث المادي الذي يطغى على الكثير من الممارسات الدينية، تأتي شعيرة الأضحية لتُعيد الاعتبار لقيمة الفقه في خدمة الروح، ولتؤكد أن العبادة ليست فقط طقوسًا، بل رسالة تتجلى في الرحمة، والعطاء، والطاعة المخلصة لله تعالى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights