الأزهر يواكب الحجيج.. توعية شاملة وحضور ميداني في موسم حج 1446هـ

تقرير: مصطفى على
في خطوة عملية تؤكد على عالمية رسالته ودوره الروحي الممتد عبر العصور، أطلق مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف منظومة توعوية ميدانية شاملة لحجاج بيت الله الحرام في موسم الحج 1446هـ، محققًا بذلك تفاعلًا فريدًا بين المؤسسات الدينية والحجيج على أرض الواقع.
جهود متواصلة قادها عشرات الوعاظ والواعظات من الأزهر الشريف، لتواكب ضيوف الرحمن في كل مرحلة من مراحل رحلتهم الإيمانية، بدءًا من لحظة السفر من مصر، مرورًا بمناسك الحج في الأراضي المقدسة، وانتهاءً بختام الشعائر في رحاب المشاعر.
التقرير التالي يرصد أبرز محاور هذا الحضور الدعوي والإعلامي المتميز لمجمع البحوث الإسلامية في موسم الحج لهذا العام:
وعاظ وواعظات الأزهر في الميدان: بين الإرشاد الفقهي والدعم الروحي
من المطارات المصرية إلى الفنادق والمخيمات في مكة وعرفات، كان لوعاظ وواعظات الأزهر وجود يومي فاعل، قدموا خلاله التوجيه الشرعي والتوعية الدينية للحجاج بلغات مختلفة، وبأسلوب جمع بين التبسيط والتأصيل.
حرصت البعثة الأزهرية على أن يكون التواصل مباشرًا وإنسانيًا، فكان الواعظ رفيق الحاج، والموجه الذي يشرح ويرشد، ويجيب عن الاستفسارات الفقهية بطريقة عملية تراعي واقع الزمان والمكان.
الندوات اليومية التي نُظمت في المطارات والموانئ ومقار سكن الحجاج، شكّلت منصات تعليمية وإرشادية في آن، حيث تناولت شرح مناسك الحج بصورة منهجية تجمع بين فقه العبادات وروح التيسير، إضافة إلى توعية سلوكية تهدف إلى غرس قيم الطمأنينة، والتزكية، والسكينة، بما يعزز من عمق التجربة الروحية لدى الحاج.
جولة تفقدية للأمين العام: رسالة الأزهر تبدأ من أول خطوة في الرحلة
حرص فضيلة الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، على متابعة تفاصيل العمل الميداني، من خلال جولة تفقدية في مطار القاهرة الدولي، التقى خلالها بالوعاظ والواعظات، واستمع إلى الحجاج وأسر الشهداء المسافرين إلى الأراضي المقدسة.
في هذه الجولة، شدد الدكتور الجندي على أهمية الحضور الإنساني والدعوي في مثل هذه اللحظات الروحية الفارقة، مشيدًا بالدور الذي يلعبه الوعاظ في تقديم فتاوى مبنية على فهم علمي ورؤية وسطية.
وأكد أن الأزهر لا يترك أبناءه في هذا الموقف العظيم، بل يواكبهم بخطاب ديني رشيد، يرشد الحاج إلى الأداء السليم للمناسك، ويمنحه الدعم الروحي الذي يعينه على تجاوز مشقات الرحلة.
تمكين المرأة في الميدان الدعوي: واعظات الأزهر نموذج للوعي والكفاءة
برز خلال هذا الموسم دور واعظات الأزهر الشريف، اللواتي تلقين تدريبًا مكثفًا في فقه الحج والحوار والتواصل، وكنَّ على مستوى الحدث من حيث الأداء والتفاعل.
شاركت الواعظات في تقديم البرامج التوعوية للسيدات الحاجّات، ونجحن في بناء جسور تواصل قائمة على الاحترام والتقدير والعلم، مما أضاف بعدًا جديدًا ومهمًا للدور الدعوي الميداني للأزهر.
وأكد الدكتور الجندي في تصريحات له أن مشاركة الواعظات تعكس حرص الأزهر على إشراك المرأة في العمل الدعوي من باب الكفاءة والرسالة، وليس المجاملة، وهو ما يكرّس صورة الأزهر كمؤسسة تنتهج التجديد المنضبط، وتؤمن بدور المرأة في خدمة المجتمع والدين على السواء.
إنتاج إعلامي متكامل: التوعية تصل إلى الجميع بلغات متعددة
ضمن الرؤية الشاملة التي تبناها المجمع لهذا الموسم، أطلق المركز الإعلامي لمجمع البحوث الإسلامية حملة إعلامية نوعية، شملت إنتاج أكثر من 70 حلقة مرئية توعوية، توزعت بين برامج الفتاوى والتوجيه والإرشاد العام، بُثَّت عبر منصات المجمع الرقمية.
واستهدفت هذه المواد توصيل الرسالة إلى أكبر شريحة ممكنة من الحجيج، وغيرهم من المتابعين، عبر محتوى متنوع نُشر باللغتين العربية والإنجليزية، كما خُصصت حلقات بلغة الإشارة لخدمة ذوي الإعاقة السمعية.
ومن أبرز البرامج المقدمة: “فتاوى الحج”، “فاستبقوا الخيرات”، و”أعمال تعدل ثواب الحج والعمرة”، إلى جانب منشورات يومية مختصرة، ولقطات ميدانية تحاكي الواقع الدعوي على الأرض.
هذه الخطة الإعلامية عززت من حضور الأزهر الرقمي، ورفعت مستوى التفاعل مع المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، مؤدية بذلك دورًا محوريًا في تعزيز الوعي الديني العام، وضمان أداء المناسك على الوجه الأكمل.
خطاب وسطي ومرافقة روحية: الأزهر في قلب التجربة الإيمانية
أكد الدكتور محمد الجندي أن مجمع البحوث الإسلامية يمضي في أداء رسالته الروحية والدعوية دون توقف، مشيرًا إلى أن موسم الحج يمثل نموذجًا حيًا لتكامل الأدوار بين المؤسسة الدينية والحجيج، وأن الأزهر الشريف، بما يمثله من مرجعية علمية وسطية، كان وما زال إلى جانب الناس في أهم محطات حياتهم الإيمانية.
وأضاف أن التوعية الدينية لا تقتصر على الجانب الفقهي فقط، بل تشمل بناء تجربة روحية متكاملة للحاج، تتفاعل مع مشاعره وهمومه، وتوجهه بلغة العلم والحكمة والرحمة، بعيدًا عن الغلو أو التقصير.
وشدد على أن الحضور الميداني للأزهر لا يُقاس بالكلمات فقط، بل بالفعل الملموس، والتأثير المباشر، والتفاعل الحي، مؤكدًا أن هذه الجهود تمثل امتدادًا طبيعيًا لرسالة الأزهر في مصر والعالم، كمنارة للعلم والدين والرحمة.
الأزهر شريك روحي للحاج.. أينما حلّ وارتحل
نجح مجمع البحوث الإسلامية هذا العام في أن يكون حاضرًا في كل تفاصيل رحلة الحج، ليس فقط بوصفه مؤسسة توعوية، بل كشريك روحي يُرافق الحاج في كل خطوة، يُرشده، ويُؤنسه، ويمنحه السكينة.
وما تحقق في موسم 1446هـ لم يكن جهدًا موسميًا عابرًا، بل ثمرة رؤية استراتيجية تؤمن بأن الأزهر لا ينعزل عن الناس، بل يسير بينهم، يسمعهم ويعلمهم، ويدفع عنهم الجهل والتشدد، ويزرع فيهم نور العلم والرحمة.