عرب-وعالم

بين الانقسام والتصعيد: سيناريوهات ترسم ملامح ليبيا الجديدة

ليبيا… هل يلقيها الصراع إلى مستقبل قاتم (2)؟

ارتفعت وتيرة التصعيد العسكري في العاصمة الليبية طرابلس منذ قرابة شهر، في ظل غياب سلطة مركزية تحكم سيطرتها على الوضع الأمني والسياسي، الذي تجلت هشاشته، لتلوح في الأفق سيناريوهات عدة لمستقبل غير مبشر، نستعرضها في السطور التالية.

تقسيم البلاد

أول السيناريوهات هو تقسيم البلاد، بين الشرق الذي تسيطر عليه قوات اللواء خليفة حفتر (الجيش الوطني الليبي)، والغرب الخاضع لحكومة الوحدة الوطنية بقيادة “عبد الحميد الدبيبة” المدعومة من تركيا، مع تعدد الفصائل المسلحة غربا بما يؤثر على قدرة الحكومة على السيطرة.

وحال فشلت الجهود الدولية في تحقيق توافق بين الأطراف المتنازعة قد نرى التقسيم واقعا، خصوصًا مع استمرار التدخلات الإقليمية والدولية التي تزيد من تعميق الانقسام، بيد أن تحديات كبيرة تقف في وجه هذا السيناريو، أولها: وقوع الموارد النفطية في مناطق متداخلة النفوذ بين الطرفين، مما يصعب رسم حدود واضحة لأي تقسيم سياسي.

استمرار الصراع المسلح

يبرز احتمال استمرار الصراع المسلح بوتيرة متقطعة حل لم يتحقق التقسيم، تتخللها فترات هدوء نسبي، كما حدث سابقا، إذ قد تستمر المواجهات مع احتمال توقيع اتفاقيات هدنة مؤقتة تحت ضغط دولي، دون التوصل إلى حل سياسي نهائي دائم.

مصالحة وطنية شاملة

على الرغم من تعقيدات المشهد، ثمة أمل ضئيل في تحقيق مصالحة وطنية شاملة عبر الوساطة الدولية، بالاعتماد على إرادة الأطراف الليبية التوصل لحلول سلمية، حيث تعمل الأمم المتحدة وعدد من الدول الكبرى على دعم جهود المصالحة وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات جديدة، و تشكيل حكومة توافقية تمثل جميع مكونات البلاد. لكن هذا السيناريو ما زال يبدو بعيد المنال في ظل الصراعات القائمة.

ساحة صراع إقليمي

السيناريو الأسوأ هو: تحول ليبيا إلى ساحة صراع إقليمي طويل الأمد بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تستغل قوى خارجية التدخل العسكري والاقتصادي لتحقيق مصالحها، بما قد يدمر البنية التحتية ويدهور الأوضاع الإنسانية، ويزيد معاناة الشعب الليبي، ويحول الصراع الليبي إلي نزاع دائم.

تدخل عسكري خارجي

التدخل العسكري الخارجي من دول الجوار أو قوى دولية سيناريو متوقع، خاصة إذا رأت هذه الأطراف أن الوضع في ليبيا يمثل تهديدًا لأمنها القومي، وقد تلعب مصر دورًا محوريًا فيه بمبادرة عربية أو تفويض دولي، بهدف استعادة الاستقرار. وقد تشارك في حملة عسكرية للقضاء على الفوضى، خاصة إذا رأت أن الوضع يشكل تهديدًا لأمنها القومي.

وفي هذا السياق، صرحت  الدكتورة “نجلاء مرعي”- أستاذة العلوم السياسية وخبيرة الشؤون الإفريقية- لجريدة اليوم: “أن ليبيا تمر بمنعطف بالغ الخطورة عقب التصعيد الأخير، الذي عكس التفكك الممنهج لمؤسسات الدولة، وليس مجرد صراع عسكري عابر، فالانقسام السياسي العميق وغياب التوافق الوطني، وفشل البعثات الأممية في توحيد المؤسسات العسكرية والسياسية الليبية، كان له الدور الأبرز في وصول بالبلاد لهذا الوضع المرشح للتصعيد”.

وأضافت: “الازدواجية في مؤسسات الدولة والانقسام بين حكومتي الشرق والغرب خلّف آثارًا كارثية على البنية السياسية والاقتصادية، وأدى إلى تعطيل الانتخابات الرئاسية، وزيادة التوتر في الداخل، مع تعقيد إضافي بسبب التجاذبات الإقليمية والدولية”.

وتابعت: “الاشتباكات الأخيرة هي محاولة لإعادة رسم الخريطة الميدانية في طرابلس، مع سعي حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها إلى تثبيت سيطرتها على المناطق الحيوية داخلها، ما يعني احتمال استمرار حالة التوتر، وإنهاء فعالية بعض الأجهزة الأمنية مثل جهاز دعم الاستقرار، وتجدد الاشتباكات خلال الفترة المقبلة”.

وترى “مرعي”: “أن القاهرة كانت ولا تزال فاعلًا رئيسيًا في الملف الليبي، سواء على صعيد جهود التهدئة السياسية أو ملف إعادة الإعمار، مشيرةً إلى توقيع اتفاقات ومذكرات تفاهم مهمة بين شركات ومؤسسات مصرية وليبية في 2024”.

وفي تصريح خاص لأستاذ عبد الستار، خبير الشؤون العربية ل”اليوم” حول الوضع السياسي في ليبيا قال عبد الستار، خبير الشؤون العربية، إن الأزمة السياسية في ليبيا قد تستمر على حالها لفترة قادمة، مع وجود حكومتين متوازيتين؛ حكومة عبد الحميد الدبيبة في شمال غرب ليبيا، وحكومة أخرى في الشرق تم اختيارها من قبل مجلس النواب. وأوضح عبد الستار أن مجلس النواب قد عين أسامة حماد رئيسًا للحكومة الليبية، إلا أن هذه الحكومة حتى الآن غير قادرة على دخول العاصمة طرابلس، وقد يختار المجلس حكومة جديدة قد تواجه هي الأخرى صعوبات في ممارسة مهامها من داخل طرابلس. وأضاف: “أقول إن الأوضاع ربما تستمر على ما هي عليه لبعض الوقت.”

وحول احتمال تقسيم البلاد، قال عبد الستار: “التقسيم صعب، ولكن في حال عدم تدخل البعثة الأممية لحل الأزمة، فمن المرجح أن يستمر الوضع الراهن لفترة إضافية.”

وفي ما يخص التدخلات الإقليمية والدولية، أكد الخبير أن هذه التدخلات هي في جوهرها السبب الأساسي للأزمة في ليبيا، معربًا عن عدم اعتقاده بأنها قادرة على أن تكون جزءًا من الحل. وأضاف: “كما تقول مصر، الحل يجب أن يكون ليبيًا – ليبيًا.”

كما أشار عبد الستار إلى أن رفض الشارع الليبي لحكومة الدبيبه يمثل حالة احتجاج عفوي بدون قيادة واضحة أو برنامج محدد، مما قد يؤدي إلى تصعيد وفوضى في حال استمرار هذا الوضع، موضحًا: “إلا إذا ظهر قادة للمظاهرات يدعمون إقامة مرحلة جديدة في ليبيا، وهو أمر غير موجود حتى الآن.”

أما عن الدور المصري في دعم ليبيا وإعادة إعمارها، فقال: “مصر تلعب دورًا مهمًا من خلال شركاتها العاملة في غرب وشرق ليبيا في مختلف القطاعات، إذ يرتبط الأمن القومي المصري ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومي الليبي، ولهذا تسعى مصر لمساعدة الأشقاء الليبيين على تحقيق الاستقرار والازدهار ،لذا تحاول مصر مساعدة الأخوة الليبيين على الوصول لبر الأمان”.

ليبقى المستقبل الليبي مرهونا بالتوصل إلى تسوية سلمية تُنهِي دائرة العنف والانقسام، وتجنب البلاد سيناريوهات أكثر دموية وتعقيدًا قد تتفاقم مع الوقت.

إقرأ أيضاٌ : الناظوري: الوضع الليبي هش وغير مستقر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights