عاطف الجلالي يكتب: “عبد الحميد” نجل الشيخ رشيد الخياط يتمرد على مهنة الحياكة

قرر عبدالحميد نجل الشيخ رشيد الخياط – هكذا يلقبونه أهل قريتنا – التمرد على مهنة الحياكة التي ورثها عن أبيه وجده ، وعزم على السفر للقاهرة بحثاً عن عيشة رغدة وسعة في الرزق ومكسب سريع.
ونزل بحي بولاق أبو العلا عند خاله الحاج منصور الفار صاحب الكشك الصغير العتيق لبيع الجرائد والمجلات والكتب والروايات الأدبية القديمة ، الذي يقع بجوار مقهى شهير بوسط القاهرة أغلب رواده من الكتاب والشعراء وبعض الفنانين.
واصطحب معه عبدالحميد ذات مرة ، وهناك تعرف على عم مندور الذي يعمل مساعد ريجسبير في ستوديو مصر ، وصارت بينهما ألفة سريعة قربتها جذور عم مندور الريفية ، وكأن كل منهما وجد ضالته في الآخر ، مندور وجد في شخصية عبدالحميد القروي الذي أبهرته أضواء العاصمة تربة خصبة ليحكي له عن خياله الجامح من صولاته وجولاته مع الفنانين – دون مراجعة – ولولاه لسقطت السينما بأسرها.
وأن المخرجين يعتبرونه الجندي المجهول وراء نجاح الفيلم ، رغم أن عمله الحقيقي لا يعدو أكثر من توزيع السيناريوهات على الفنانين في بيوتهم وتذكيرهم بمواعيد التصوير ، وعبدالحميد لا يزال على سجيته.
وقد فتنته مغامرات عم مندور الشيقة ، ومن فرط تصديقه لخيالاته ظن أنه يستطيع عمل المستحيل ، و بلا مقدمات قال عبدالحميد لعم مندور: “يعني انت كده ممكن تشغلني في السينما وتخليني أبقى ممثل” . فأطرق عم مندور غير قليل وبدا وكأنه يفكر بعمق ثم هرش في رأسه.
وقال له: “طيب سيبني أفكر لغاية ما أشوف لك فرصة” . ومع إلحاح عبدالحميد المتكرر قال له: “خلاص القصة جاهزة وبدل أجرة الفنانين وجشع المخرجين والدعاية أنا هوفر لك كل الفلوس دي وهنعمل فيلم يكسر الدنيا ويعمل نقلة نوعية في الوسط الفني بالكامل وهتكون انت البطل الوحيد وهنسمي الفيلم (عودة النذل) إنتاج وإخراج وتمثيل عبدالحميد الترزي” .
انبهر عبدالحميد بالفكرة وراح عطى كل فلوسه لعم مندور ، وفوجئ عبدالحميد بأنه الممثل الوحيد وكذلك المتفرج الوحيد ، وخسر كله فلوسه وتحويشة عمره ، ورجع من حيث أتى ولسان حاله يقول: “أنا عبدالحميد الترزي وبس” . لا يهمني هنا إن كان عبدالحميد ضحية جهل عم مندور مساعد الريجسبير أو كان عميان البصر و البصيرة مع بعض.
إنما العبرة هنا أنه غاب عن عمنا مندور أن العمل الفني من عوامل نجاحه أن يكون شمولياً تنصهر فية روح الجماعة ، ومينفعش تبقى إنت الممثل والمخرج والناقد والمنتج وكل حاجة في آن واحد بل هناك كاتب قصة جيدة يجسدها مجموعة ممثلين من أصحاب البطولة ومعهم من يؤدي الأدوار الثانية والسنيدة ومنتج سخي ودعاية سليمة ومن خلف كل هؤلاء مخرج محترف يستنفر همم وطاقات كل هؤلاء لإنجاح العمل.
ومن سنة الله – تعالى – حتى تسير حركة الحياة نحو إعمار الكون يلزم أن تتعدد بين الناس كل صنوف المواهب وألوان المعرفة ، فهنالك المهندس والطبيب والمزارع والحرفي وعامل النظافة وماسح الأحذية ، فلم يخلق الله – عز وجل – امرؤ يحتكر كل أنواع العلوم حتى وإن كان نبياً مرسلاً ، كذلك الحال في الدول والبلدان فالأمم الرائدة و المتقدمة لم تنهض إلا بمنهج يعتنق التعددية وإعلاء قيمة التخصص والكفاءة ويسهم في تفعيل دور المؤسسات.
رحم الله الفنان القدير الضيف أحمد صاحب اسكتش عودة النذل.