مفردات اللهجة المصرية بين العامية والقبطية
رحلة لكشف معاني الشتائم الشعبية في العامية المصرية

كتبت – نجوى إبراهيم
رغم أن الشتائم تُعد جزءاً من التعبيرات اليومية التي نسمعها ونرددها أحيانًا دون تفكير، إلا أن ما لا يعرفه كثيرون أن بعض هذه العبارات المتداولة في العامية المصرية لها أصول ضاربة في عمق التاريخ، وتحديدًا في اللغة القبطية، آخر مراحل تطور اللغة المصرية القديمة.
ويستعرض موقع اليوم أشهر الشتائم المصرية، ونغوص في معناها الحقيقي وأصلها اللغوي:
“فلان دا بلط”
يُقال عن الشخص الكسول أو قليل الحركة، وأصلها الكلمة القبطية “بيلتي” والتي تعني “مقعد”، أي ساكن لا يتحرك. ومنها جاءت عبارة: “مبلط في الخط” للدلالة على الشخص البليد أو بطيء الفهم.
“جتك شوطة تاخدك”
بالرغم أنها تُفهم على أنها ضربة أو “شوط كورة”، إلا أن “شوطة” أصلها “شووت” القبطية وتعني وباء أو كوليرا. إذًا، الشتيمة تعني: “جتك الكوليرا تاخدك!”
“الست دي شلق”
وتُقال للمرأة الفظة أو الثرثارة. “شلق” مأخوذة من الكلمة القبطية “شلاك” والتي تعني التمدد أو الانفعال أو التوتر في الصوت، وغالبًا تُستخدم لوصف المرأة التي ترفع صوتها وتُطيل في نطق الكلمات.
“أوباش”
كلمة أوباش هي كلمة قبطية لا مفرد لها، تعني عراة أو صعاليك، وتُقال على جماعة من الناس يوصفون بقلة الأدب أو سوء السلوك.
“غراب البين”
تعني “البين” في المصرية القديمة الشر أو السوء، ليصبح المعنى الكامل هو غراب النحس أو الشر، وهي تسمية شعبية للغراب كمخلوق يجلب النحس في الموروث الشعبي.
“مدهول”
تأتي من الكلمة القبطية “متاهوول”، وتعني الشخص غير المرتب أو المهمل، وتُستخدم للدلالة على الشخص الفوضوي: “يا واد يا مدهول على عينك!”
“جاك خيبة بالويبة”
و”الويبة” هى وحدة كيل قبطية تعادل “كيلتين”، أي أن الخيبة هنا كبيرة جدًا، وتُقال كنوع من التأكيد على حجم الخسارة أو الفشل.
“هسويك”
و “يسوي” في العامية تعني يطبخ، إلا أن أصل الكلمة القبطية “سوى” يعني تقطيع الأوصال! فعبارة “هسويك” معناها: هقطعك حتت!
“يا ابن الإيه”
غالبًا ما تُستخدم على سبيل المزاح أو التوبيخ، لكن “الإيه” هنا تعود للكلمة القبطية التي تعني “بقرة”، لتصبح الجملة بمعناها الحرفي: يا ابن البقرة!… وقد تبدو أقل وطأة من معناها المتداول حاليًا.
.. احترام المرأة في الحضارة المصرية القديمة..
من اللافت للنظر أن المصريين القدماء، رغم تطور لغتهم وتعدد أدوات تعبيرهم، لم يتورطوا في شتائم تمس الأم أو المرأة، بل كانت المرأة تحظى بمكانة عظيمة في المجتمع المصري القديم؛ كانت مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، ولها الحق في العمل، بل والقيادة الدينية، حيث كانت تقود الصلوات وتُقيم الشعائر داخل المعابد.
ويفتح هذا الموضوع نافذة على زاوية غير مألوفة في ثقافتنا، ويُظهر كيف أن اللغة ليست فقط وسيلة تواصل، بل مرآة تعكس تاريخ شعب، وتراكماته الحضارية، وحتى طريقته في الغضب.
ففي كل مرة تسمع فيها شتيمة شعبية، تذكّر أنها قد تحمل بين طياتها تاريخًا لغويًا ضاربًا في القدم، ربما يعود إلى آلاف السنين.