عبدالله تمام يكتب: معجزة أكتوبر ورسائل الرئيس لطمأنة الشعب
“روح أكتوبر.. ليست شعارات إنشائية تقال؛ بل هى كامنة في جوهر هذا الشعب.. ومعدنـه الأصيـل .. تظهر جلية عند الشدائد.. معبرة عن قوة الحق، وعزة النفس، وصلابة الإرادة .. ويسجل التاريخ بكلمات من نور.. أن مصر عزيزة بأبنائها.. قوية بمؤسساتها.. شامخة بقواتها المسلحة.. وفخورة بتضحيات أبنائها.
إن ما حققته مصر في حرب أكتوبر المجيدة.. سيظل أبد الدهر، شاهداً على قوة إرادة الشعب المصري.. وكفاءة قواته المسلحة.. وقدرة المصريين على التخطيط الدقيق والتنفيذ المحكم.”
هكذا تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن أكتوبر في لقائه بشباب مصر خلال فعاليات حفل تخرج دفعة جديدة من الأكاديمية والكليات العسكرية 2024بالمقر الجديد للأكاديمية العسكرية في العاصمة الإدارية الجديدة، حيث حرص الرئيس على بث رسائل طمأنة للحضور وللشعب وسط ظروف بالغة الصعوبة والتوتر على المستوى الإقليمي والدولي، وحيث تشتعل النيران حولنا من كل جانب، بينما تقف مصر بقوة معتزة بجسارة جيشها وصبر وتحمل شعبها، صامدة رغم التحديات الجسام..
حرص الرئيس على أن نستوعب جميعاً أن مصر بمؤسساتها وجيشها القوي ترسل رسالة واضحة لكل من يحاول زعزعة استقرارها أو الاستهانة بقوتها، خاصة وأن هذا الحديث تردد وسط فرحة مصرية بأبنائها من خريجي الأكاديمية العسكرية، مصنع الرجال والمقاتلين الذين يحملون على عاتقهم حماية البلاد والدفاع عن سيادتها، في إشارة إلى أن مصر على استعداد تام لمواجهة أي تهديدات قد تستهدف أمنها القومي، سواء من الداخل أو الخارج.
نعم .. يجب أن يفهم الجميع أن الجيش المصري هو العمود الفقري لحماية الدولة والحفاظ على استقرارها، ولهذا كان الاحتفال بتخريج أبطالنا الشباب تعبيرا عن الإمكانيات والتحديث لقواتنا المسلحة وتزامنا مع ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة وفى وقت تواجه فيه المنطقة والعالم تهديدات وصراعات غير مسبوقة وتحولات تستلزم اليقظة والتأهب للمواجهة باستخدام العلم والتدريب ، وأن مصر دولة قوية تحرص كل الحرص على تحديث قواتها المسلحة ودعم قوتها ، تلك القوات التى لم تتأخر عن تحمل مسؤوليتها ومهامها فى مواجهة التحديات والتهديدات، وامتلاك قدرة ردع رشيدة تحمى الأمن القومى، ولا تهدد ولا تعتدى، لكنها تحمل الردع المستمر، تلك القوات التي تحتفل اليوم بذكرى أعظم انتصار .
إن نصر أكتوبر المجيد سيظل علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، وفي تاريخ العسكرية المصرية والعالمية، حيث مازال ما حدث في هذه الحرب يتم تدريسه بالأكاديميات العسكرية على مستوى العالم، لما حققه المصريون من إنجاز فريد، استطاع أن يقهر أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ويحقق انتصارا فريدا ويسترد الأرض لتعود لأيدي أبنائه الأوفياء الذين ضحوا بأرواحهم وأنفسهم في سبيل الحفاظ على كرامة وطنهم.
وفي هذه المناسبة يجب علينا الالتفات إلى أهمية توعية أولادنا والأجيال الجديدة بعظمة هذا الانتصار الكبير، الذي جاء بعد سنوات ثقيلة مرت على الأمة العربية ومصر عقب صدمة نكسة 1967 التي كانت درسا وحافزا للشعب وجيشه كي يعود للإنتصارات ويحقق المفاجأة التي أذهلت العالم ويحطم أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر فى حرب غيرت النظريات العسكرية، وفى ساعات تمكنت القوات المسلحة المصرية بخراطيم المياه والجسور المطاطية والدبابات من تسوية خط بارليف بالأرض والتوغل فى أرض سيناء ليقف العالم مشدوها فى ذهول.
يمكننا أن نجد ذلك في اعتراف الأكاديمى الإسرائيلى «أوزى إليادا» وهو أستاذ الإعلام فى جامعة حيفا في مقال له تحت عنوان «أساطير وطنية: تمثلات وذاكرة فى الصحافة الإسرائيلية» حيث يركز على أثر حرب أكتوبر فى تغيير مفاهيم الشعب الإسرائيلى وإعلامه تجاه مؤسسته العسكرية قائلا: “كان الإعلام الإسرائيلى منذ حرب 48 حتى 73 يقدس ويحيط جنرالاته وقادته العسكريين بهالة أسطورية تفوق الخيال وإذا بهذا التقديس يختفى تماما بعد حرب أكتوبر ويختفى معه احتفاء أجهزة الإعلام والرأى العام بالقادة العسكريين الكبار والصغار معا بل يتغير مفهوم البطولة ودلالاته جذريا فلم يعد يشير كما كان قبل الحرب إلى البطولة العسكرية للجيش الإسرائيلى وقادته وإنما تقلص ليشير فقط إلى أشخاص بسطاء مجهولين بلا صفات جسدية أو نفسية أو أيديولوجية معينة تبرر حتى وسمهم بالشجاعة. فالبطل الوحيد هو الشخص الذى يكون مستعدا للتضحية بحياته من أجل إنقاذ إسرائيل”.
ولم ينس التاريخ ولم ننسى الاعترافات التي توالت منذ الهزيمة على لسان قادة العدو الاسرائيلي، فها هو موشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلى خلال حرب أكتوبر يقول في تصريح في ديسمبر 1973:” حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل”.
بينما قالت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل خلال حرب أكتوبر قالت فى كتاب لها بعنوان(حياتى) :”الكتابة عن حرب يوم الغفران لا يجب أن تكون كتقرير عسكري بل ككارثة قريبة أو كابوس مروع قاسيت منه أنا نفسي وسوف يلازمنى مدى الحياة”.
وقال حاييم هيرتزوج رئيس دولة إسرائيل الأسبق في مذكراته :”تعلم المصريون كيف يقاتلون بينما تعلمنا نحن كيف نتكلم”.
بينما قال زئيف شيف المعلق العسكري الإسرائيلى في كتاب له بعنوان (زلزال أكتوبر) :”هذه هي أول حرب للجيش الإسرائيلي التي يعالج فيها الأطباء جنودا كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلي علاج نفسي هناك من نسوا أسماءهم”.
لقد حققنا المعجزة بسواعدنا وعقولنا وارادتنا الحرة ، وكان جنودنا هم من قالت عنهم الآية الكريمة في سورة الأحزاب:”منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”.
هذا هو المقاتل المصري الذي أذهل العالم في حرب أكتوبر 1973، والذي يقف على أهبة الاستعداد للزود عن الوطن ضد الأخطار خارجيا وداخليا، وضد من تسول له نفسه أن ينال من أرض الوطن.