تصعيد جديد لجنوب إفريقيا.. لماذا يقف أحفاد مانديلا مع غزة؟

“أثناء محاكمتي دخلت قاعة المحكمة بملابس الكوسا المصنوعة من جلد النمر، وقد اخترت هذا الزى لأُبْرِزَ المعنى الرمزي لكوني رجلا إفريقيا يحاكم في محكمة للرجل الأبيض، وكنت أحمل على كتفي تاريخ قومي وثقافاتهم، وكنت على يقين أن ظهوري بذلك الزى سيخيف السلطة من ثقافة إفريقيا وحضارتها”.. كلمات وصف بها السياسي والمناضل من جنوب إفريقيا وأول رئيس أسود لها، نيلسون مانديلا، حاله في المحاكمة عام 1964.
وأطلقت جنوب إفريقيا، أمس، حملة عالمية من أجل مكافحة “الفصل العنصري” الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكانت جنوب إفريقيا قد رفعت دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة في 29 ديسمبر 2023.
وتواصل جنوب إفريقيا دعمها لغزة استنادًا إلى إرثهم النضالي ضد الفصل العنصري الذي عانوا منه، حيث يرون في الوضع الفلسطيني ظروفًا مشابهة للاحتلال والتمييز، ويعتبرون التضامن مع الفلسطينيين جزءًا من نضالهم العالمي من أجل العدالة والمساواة، استنادًا إلى قول مانديلا “حريتنا غير مكتملة دون حرية الفلسطينيين”.
وفي هذا الصدد، يسعى موقع “اليوم” لرصد عوامل وقوف جنوب إفريقيا بجانب الشعب الفلسطيني الذي لا يربطه بها عرق ولا لون ولا حدود جغرافية، كما سنلقي الضوء على مفهوم الفصل العنصري الذي عانت منه جنوب إفريقيا لقرنًا من الزمن.
جمهورية جنوب إفريقيا
الاسم الرسمي: جمهورية جنوب إفريقيا.
السكان: 60.6 مليون (2022)، موزعون بين أفارقة سود (81%) وبيض وملونين وآسيويين.
اللغة: 11 لغة رسمية؛ الأبرز الزولوية والأفريقانية والإنجليزية.
الموقع: جنوب القارة، محاطة ببلدان ومحيطين، بمساحة 1.2 مليون كيلومتر مربع.
النظام السياسي: جمهوري فدرالي بثلاث عواصم (بريتوريا، بلومفونتين، كيب تاون).
التاريخ: استعمار بريطاني وهولندي انتهى بفك نظام الفصل العنصري في التسعينيات.
الاقتصاد: غني بالموارد مثل الذهب والماس واليورانيوم.
نهاية الفصل العنصري: أطلق الرئيس دو كليرك الديمقراطية بالإفراج عن مانديلا، ليصبح رئيسًا في 1994، مؤسسًا المصالحة الوطنية.
الفصل العنصري
العنصرية هي معتقدات وسلوكيات تعزز من مكانة فئة معينة بناءً على عناصر مثل لون البشرة أو الثقافة. وتُعتبر “جريمة الفصل العنصري” من الجرائم ضد الإنسانية وفق المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تُعرَّف بأنها أفعال غير إنسانية تُمارَس ضمن نظام للاضطهاد المنهجي.
والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري, المعتمدة من الأمم المتحدة، تصف الفصل العنصري بأنه “تهديد خطير للسلم والأمن الدوليين”، وتحدد مجموعة من الأفعال التي تشكل هذه الجريمة، مثل حرمان الفئات من حقوقهم الأساسية، وإخضاعهم لظروف معيشية ترمي إلى الهلاك.
كما تشمل الجوانب المرتبطة بالفصل العنصري أيضًا التمييز في المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإقامة معازل، واستغلال العمل. من الأمثلة البارزة على الفصل العنصري تمييز الأقلية البيضاء ضد الأفارقة السود في جنوب أفريقيا، والسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
الاحتلال البريطاني
تاريخ الاحتلال البريطاني لجنوب إفريقيا بدأ في عام 1795 عندما سيطرت إنجلترا على محطة كيب، التي أنشأتها شركة (في أوه سي) الهولندية.
وعلى الرغم من عودة المحطة إلى هولندا بموجب اتفاقية عام 1803، إلا أن بريطانيا استعدتها عام 1806 خلال الحروب النابليونية. وتحولت كيب من مجرد محطة تجارية إلى نواة للاستعمار البريطاني، حيث شهدت موجات هجرة أوروبية وطرد السكان الأصليين، مما أدى إلى مقتل الآلاف.
وتأسس نظام الفصل العنصري عام 1910 مع اتحاد جنوب إفريقيا، وتفاقمت التمييزات بعد وصول الحزب الوطني إلى الحكم في 1948، حيث تم سن قوانين لفصل البيض عن السود والملونين وحرمانهم من الحقوق الأساسية.
وذلك بسن قوانين لفصل البيض عن بقية السكان في التعليم والرعاية الصحية ووسائل النقل والمطاعم والشواطئ، مع منع الزواج المختلط بين الأعراق، والاستيلاء على 87٪ من الأراضي للبيض والتهجير القسري لأكثر من 3 ملايين من السود، وفرض تدريس اللغة الأفريقانية.
تسببت هذه الإجراءات في إضرابات وعصيان مدني قاده تحالف حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والحزب الشيوعي، إلا أنها قوبلت بإطلاق النار على المحتجين وحظر الحزبين وفرض حالة الطوارئ، وأودع زعيم حزب المؤتمر نيلسون مانديلا في السجن مدى الحياة في مطلع الستينات، إثر إدانته بالتخريب، كما توفي مؤسس حركة الوعي الأسود ستيف بيكو تحت التعذيب في السجن.
ومع بداية التسعينيات، أنهى الرئيس فريدريك دو كليرك نظام الفصل العنصري، وأُطلق سراح نيلسون مانديلا بعد 27عامًا من السجن. وفاز مانديلا بعد ذلك بأول انتخابات ديمقراطية في 1994، مؤكدًا أهمية المصالحة الوطنية.
حركة عالمية
ومن منطلق المعاناة التي عاشتها جنوب إفريقيا، أطلقت حركة عالمية لمناهضة الفصل العنصري الإسرائيلي خلال مؤتمر شعبي في بريتوريا يومي 28 و29 نوفمبر، بالتزامن مع اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
واستوحت الحركة نضال جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري في الماضي، وتستهدف بناء ائتلاف عالمي لمعارضة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي والاستعمار والظلم في فلسطين.
وأكد البيان الختامي للمؤتمر أن هذه الخطوة تعكس التزام جنوب إفريقيا شعباً وحكومة بالعدالة والقيم الإنسانية، مشيراً إلى موقف حازم ضد الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية.
وأكد القس فرانك شيكاني، رئيس لجنة التوجيه بالحركة، على التزام جنوب إفريقيا بدعم الشعب الفلسطيني، مشيداً بقرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.
وحدد المؤتمر أجندة عمل تضمنت تفعيل سلاح المقاطعة، وقف التسليح والتجارة مع نظام الفصل العنصري، ودعم الأسرى الفلسطينيين، بالإضافة إلى مواجهة الدعاية الصهيونية وتعزيز الرواية الفلسطينية.
واختُتمت فعاليات المؤتمر باحتجاجات سلمية أمام السفارة والقنصليات الأميركية في جنوب إفريقيا، للضغط على الدول الداعمة للاحتلال، والتأكيد على ضرورة التحرك الدولي لوقف الإبادة الجماعية في فلسطين.
دعوى الإبادة
في 29 ديسمبر 2023، رفعت جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم إسرائيل بجرائم إبادة جماعية في غزة وانتهاك القانون الدولي. جاء ذلك بعد تصويت البرلمان على قطع العلاقات مع إسرائيل.
بينما أكد الرئيس رامافوزا التزام بلاده بمبادئ العدالة رغم المخاطر المحتملة، مضيفًا أنه لم يشعر قط بالفخر الذي شعر به وهو يشاهد ابن أرضه المحامي رونالد لامولا يدافع عن القضية الفلسطينية أمام المحكمة الدولية في لاهاي.
تعليق واحد