أكد الدكتور إبراهيم نجم، الأمين العام للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أهمية التعاون بين علماء الدين والفلاسفة وخبراء الذكاء الاصطناعي، مشددًا على ضرورة دمج القيم الدينية مع التطورات التكنولوجية لضمان توجيه الذكاء الاصطناعي نحو خدمة الإنسانية.
جاءت هذه الدعوة خلال الجلسة العلمية الأولى لمؤتمر الجمعية الفلسفية المصرية تحت عنوان “فلسفة التشريع الإسلامي”، الذي عقد بمقر دار الإفتاء المصرية، برئاسة الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية.
أوضح الدكتور نجم في ورقته البحثية بعنوان “الأبعاد الدينية والفلسفية لاستخدام الذكاء الصناعي” أن الذكاء الاصطناعي يتجاوز كونه مجرد أداة تقنية، ليصبح ظاهرة تتطلب تحليلاً فلسفيًا وأخلاقيًا وتطرق إلى تأثير الذكاء الاصطناعي على القيم الأساسية مثل العدالة والحرية والمساواة، محذرًا من الاعتماد غير الموجه لهذه التقنية، ما قد يؤدي إلى تهديد القيم الإنسانية.
الذكاء الاصطناعي والمخزون المعلوماتي: تحديات دينية وفلسفية
تناول الدكتور نجم تحديات الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى إشكاليات دينية وفلسفية من أبرزها ما إذا كانت مخرجات الذكاء الاصطناعي تشكل معرفة دينية أم مجرد معلومات، مؤكدًا أن العنصر البشري يبقى محوريًا في فهم وتطبيق المعرفة.
كما أشار إلى “إشكالية التحيز” في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، موضحًا أن اللغة العربية تشغل 3% فقط من المحتوى المدرب عليه، مقارنة بـ68% للإنجليزية.
شدد على أهمية إنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي متوازنة تراعي التنوع الثقافي والديني، داعيًا إلى مزيد من البحث المشترك بين الفلاسفة والعلماء.
فلسفة التشريع الإسلامي: شمولية وتناغم
في نفس الجلسة، استعرض الدكتور أحمد ممدوح ورقة بحثية بعنوان “فلسفة التشريع الإسلامي”، مؤكدًا كد أن التشريع الإسلامي يعتبر أحد أعظم الأنظمة القانونية في التاريخ الإنساني، لما يتميز به من مصدر إلهي يضمن خلوه من الخطأ، واستناده إلى القرآن الكريم والسنة النبوية.
وأوضح أن فلسفة الشريعة تهدف إلى تحقيق مقاصد أساسية مثل حفظ النفس والعقل والدين والمال، بالإضافة إلى تعزيز قيم العدل والتسامح والرحمة.
وأشار ممدوح إلى أن التشريع الإسلامي يشمل أحكامًا معقولة المعنى، مثل تحريم القتل والسرقة، وأخرى تعبدية تتطلب تسليمًا وطاعة من المكلفين، مثل مواعيد الصلاة، موضحًا أن هذه الأحكام تهدف جميعها إلى تحقيق مصالح الإنسان.
نمذجة التشريع الإسلامي: جسر نحو الحضارة
من جهته، قدم الدكتور عمرو الورداني ورقة بعنوان “نمذجة التشريع الإسلامي كجسر للبناء الحضاري”، حيث أكد أهمية تحويل مبادئ الشريعة إلى نظم عملية مرنة تساهم في تحقيق التوازن بين القيم الإنسانية واحتياجات المجتمع واستعرض نماذج مستمدة من الشريعة مثل نموذج يوسف عليه السلام في إدارة الموارد ونموذج السفينة الذي يعكس التكافل الاجتماعي.
شدد الورداني على أهمية مواجهة التطرف الفكري والجمود باستخدام التحليل المقاصدي، ودعا إلى صياغة ميثاق حضاري يعزز التنوع الثقافي وحماية البيئة وضمان حقوق الأجيال القادمة.
فلسفة المعاملات المالية: إطار أخلاقي للاقتصاد
وفي سياق متصل، ناقش الدكتور حازم محمد محمود فلسفة التشريع الإسلامي في المعاملات المالية، مؤكدًا أن الإسلام يشجع الحرية الاقتصادية بشرط ألا تتعارض مع المبادئ الأخلاقية، موضحًا أن الشريعة تتيح تطوير عقود جديدة تلبي احتياجات العصر، بشرط الالتزام بالأحكام الشرعية.
وأشار إلى أهمية حماية المال وتنظيمه بما يضمن العدالة الاجتماعية، مشددًا على منع الاحتكار والغش والتلاعب، وتوجيه حركة الأموال لتحقيق الاستقرار المجتمعي، من خلال فرض الزكاة وتشجيع التداول المالي.
الحدود والعقوبات في الإسلام: فلسفة الإصلاح والعدالة
وعلى صعيد آخر استعرض الدكتور مصطفى عبد الكريم فلسفة العقوبات الإسلامية، موضحًا أن الحدود تهدف إلى حماية المجتمع وردع الجريمة، لكنها تُطبق بشروط دقيقة تضمن العدالة، مؤكدًا أن الشريعة لا تقتصر على العقوبات، بل تشمل نظامًا أخلاقيًا واجتماعيًا يهدف إلى بناء مجتمع مثالي، موضحًا التجربة المصرية في تطوير القوانين الجنائية تتماشى مع مقاصد الشريعة رغم غياب العقوبات الحدية، مما يبرز مرونة الفقه الإسلامي في مواكبة العصر.
دعوة للتعاون والتكامل
اختتمت الجلسة بدعوة إلى تعزيز التعاون بين علماء الدين والفلاسفة وخبراء التكنولوجيا، والعمل على تطوير أطر تجمع بين الابتكار واحترام القيم الإنسانية، لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي والتشريع الإسلامي كأدوات لبناء مستقبل أفضل.
