مشروع جيش سوريا الجديد.. فكرة دمج الفصائل تضع دمشق أمام مستقبل مجهول

بعد سيطرة الفصائل السورية المسلحة المنضوية تحت مسمى هيئة تحرير الشام، بقيادة أحمد الشرع المعروف باسم أبو محمد الجولاني علي مقاليد الحكم في سوريا، وإسقاطه نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، توصل الشرع مع قادة فصائل المعارضة إلي اتفاق بحل جميع الفصائل ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع.
وذكر رئيس الوزراء السوري المؤقت محمد البشير، أن الوزارة ستقوم بإعادة هيكلة الجيش باستخدام الفصائل المعارضة السابقة والضباط الذين انشقوا عن جيش بشار الأسد.
وأفادت تقارير إعلامية أن الشرع كان حادّاً ومباشراً وواضحاً، في مسألة حل الفصائل والانضمام إلى الجيش الجديد، مضيفة أن الشرع لوّح بخيار القوة العسكرية مع الفصائل التي قد ترفض هذا التوجه.
وتحدثت التقارير أن الشرع، كان حريصاً على الاجتماع بشكل منفرد مع قادة فصائل كل منطقة، أي الجنوب ثم الشرق وكذلك الشمال، ثمّ توصل بعد اجتماعات وترتيبات معينة لاتفاق حل الفصائل.
وذكرت وسائل إعلام سورية أن هذا التوافق جاء بعد حل الخلافات العالقة بين قادة الفصائل، وبعد ما حصلوا عليه من أحمد الشرع من ضمانات، بأن يكونوا ضمن جيش جديد غير محسوب على أي طرف، وأن تُراعى أوضاعهم وأدوارهم في إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
تعدد الأطياف في المعارضة السورية المسلحة
وتتسم المعارضة السورية المسلحة، التي تقدر أعدد أفرادهم بنحو 80 ألف شخص، بتعدد الأطياف بين الفصائل المسلحة ذات المرجعيات الإسلامية والأيديولوجية إلى جانب القوى السياسية الليبرالية، وهذا التنوع يمثل تحديا للوصول إلى توافق حول شكل الدولة المقبلة.
تعيين وزير للدفاع
وفي خطوة أولية لدمج الفصائل، عينت الإدارة السورية الجديدة، مرهف أبو قصرة، وزيراً للدفاع في الحكومة السورية الانتقالية، و هو مهندس زراعي، من مدينة حلفايا بريف حماة، وكان يعرف باسمه الحربي “أبو حسن الحموي”، ويشغل منصب القائد العام للجناح العسكري لـهيئة تحرير الشام.
وقاد أبو قصرة العمليات العسكرية التي انطلقت في نهاية نوفمبر الماضي من إدلب، ثم انتقلت إلى عدة مدن رئيسية، مثل حلب وحماة وحمص، ثم وصلت إلى العاصمة دمشق، وأطاحت بنظام بشار الأسد.
الفصائل المسلحة في شمال سوريا
وتتوزع الفصائل المسلحة كالاتي، شمال سوريا، أي إدلب وحلب، فإن السيطرة هُناك لـهيئة تحرير الشام، التي تقود مشروع الدمج في الجيش الجديد، لكن توجد بالمنطقة فصائل أخرى مثل “الجبهة الشامية” و”فيلق الشام”، و”جيش الأحرار”، و”حركة أحرار الشام”، و”جيش العزة”، التي أبلغت جميعها جاهزيتها للاندماج تحت راية الجيش السوري الجديد.
وينخرط فصيل “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، الآن في عمليات عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال وشرق البلاد، لكنه مع ذلك، وافق على حل نفسه والانخراط في الجيش الجديد”.
ومارست تركيا ضغوطاً على الجيش الوطني كي ينسجم مع التغيرات الجديدة، ويصبح جزءاً من وزارة الدفاع، مشيرة إلى أن “كبار قادة الجيش الوطني التقوا أحمد الشرع في دمشق، وأعلنوا استعدادهم لحل فصائلهم”.
الفصائل في وسط سوريا
أما حمص وحماة في وسط سوريا، وبحُكم سيطرة قوات النظام السابق عليهما، فإنه لا وجود لفصائل مسلحة فيهما، لأنها إمّا تفككت من تلقاء نفسها قبل عام 2018، أو لأن مقاتليها انتهى بهم المطاف في الشمال السوري، وانخرطوا في فصائل من إدلب وحلب، وكانوا من ضمن القوات التي شاركت في عملية إسقاط الأسد.
الفصائل المسلحة المولية لروسيا بدرعا
ويعد الوضع في درعا الأكثر تعقيدا، فيما يخص حل الفصائل، لأن الجهة العسكرية الأقوى في هذه المحافظة التي تقع جنوب سوريا، هي الفيلق الخامس واللواء الثامن، وهذان فصيلان عسكريان شكلهما الروس عام 2018 بعد سيطرة القوات الحكومية على درعا.
وبرز اسم أحمد العودة، ليكون حليف الروس في هذه المنطقة، لكن ومع إعلان إدارة العمليات العسكرية السيطرة على درعا في 6 ديسمبر 2024، تغيّرت موازين القوى بعض الشيء، ولم يعد العودة “الرجل الأقوى”، إذ ترفض بعض الفصائل حالياً أن يكون هو ممثلاً لها، أو قائداً لغرفة عمليات الجنوب.
قوات قسد
كما أوصل أحمد الشرع رسالة إلى قسد بأنه لن يقبل منها غير حلّ نفسها، وإلا فإنه سيرسل تعزيزات عسكرية إلى الرقة والحسكة، ويخوض حرباً ضد قوات سوريا الديمقراطية، بحسب تقارير إعلامية.
أمّا هذه القوات فقالت إنها سترسل وفداً إلى دمشق، للتفاوض، مع إعلانها عن رغبتها في أن يكون مقاتلوها ضمن الجيش السوري الجديد، علماً بأن “قسد” تشكلت عام 2015 بدعم من الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم “داعش”، وعدد مقاتليها ما بين 50 إلى 60 ألفاً.
خطر فكرة دمج الفصائل
وفي هذا السياق قال الدكتور يسري عبيد، الخبير في العلاقات الدولية والشؤون السورية، إن فكرة الإدارة الجديدة في سوريا لدمج الفصائل وتشكيل جيش موحد تحت مظلة وزارة الدفاع، تشكل خطرا كبيرا علي مستقبل سوريا، فبعض هذه الفصائل لديها ماض من الأيديولوجيا وربما الفكر الجهادي والفكر التكفيري.
وأضاف عبيد، في تصريحات خاصة لموقع اليوم، أن هذا الجيش سيتحول إلي جيش من الفصائل ويقوم علي الطائفية والمذهبية والأيديولوجية المتطرفة، مثلما حدث في العراق قبل ذألك وبالتالي سيصبح جيش ضعيف، حيث أنه ليس لديه عقيدة واحدة، مثل الجيش العراقي الذي ليس لديه دور فاعل، مضيفا أنه هذه الخطة تهدف إلي أن تكون سوريا دولة ضعيفة والهجمات الإسرائيلية علي الجنوب السوري خير دليل علي ذلك.
دور مليشيات نظام الأسد
وبسؤاله حول المليشيات التابعة للنظام السوري، قال عبيد أن هذه المليشيات في أضعف حالاتها، وخرج منها الكثير إلي العراق، ولا يوجد إلا أعداد قليلة يتم القبض عليهم من قبل فصائل المعارضة، بالتالي لا تمثل أي قوة ولا تؤثر في المشهد السوري.
وذكر عبيد أن الحكومة السورية الجديدة لديها الأدوات لتنفيذ هذه الخطة التي تقضي بتوحيد الفصائل ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع، كما أن الأتراك لديهم خبرة كبيرة في ذلك، وسيساعدون هذه الحكومة علي تنفيذ هذه الخطة، لان الهدف في النهاية، هو تشكيل جيش ضعيف، غير قادر علي حماية حدوده، ومن ثم يستبيح التركي والإسرائيلي الحدود السورية ويحتفظ بالأماكن التي سيطر عليها بالفعل، والخطة أن تكون سوريا بلا جيش ودولة ضعيفة.
وأضاف أنه إذا تم تشكيل جيش من هذه الفصائل، التي تختلف فيما بينها أيدلوجيا وعقائديا، فسيشكل خطر كبير علي مستقبل سوريا.
وختم عبيد أن الأيام والأسابيع المقبلة هي التي ستحدد، كيفية سيطرة الحكومة في دمشق علي هذه الفصائل، وأن تنجح بالفعل في دمجها في فصيل وأحد، مضيفا أن هناك مؤشرات علي أنه سيحدث خلافات كبيرة بين هذه الفصائل في المستقبل، وأن هناك أطراف تعمل علي تأليب هذه الفصائل ضد بعضها، في نموذج أشبه بليبيا أو العراق، بالتالي تقسيم سوريا إلي دويلات صغيرة.