الإعلامية هيام أحمد تكتب:«بيني وبين الليل»

الليل ليس مجرد غياب الشمس،بل حضور طاغٍ لكل ما نحاول نسيانه في الليل لا تختبئ الأسرار، بل تجلس بجواري وتصغي معي للصمت، لأن بيني وبين الليل ثقة مفرطة
هو يغريني بالإنصات، وأنا أخبره بكل شيء كل ليلة حين تهدأ الأصوات و يخفت ضجيج العالم يسحبني الليل إلى عزلته يفرش لي الظلام بساطًا من الأمان وأجدني أبوح له بما أخفيه حتى عن نفسي الليل ليس مجرد امتدادٍ للوقت بل هو رفيق لا يخون يسمعني دون أن يقاطع يحتويني دون أن يحكم، يمنحني مساحةً لأكون ضعيفًا دون خوف لكن الليل ماكر أيضًا، يعرف كيف يغرقني في أفكاري يدسني بين الذكريات يقلب صفحات الماضي بمهارة الجراح يضع أصابعه على كل جرحٍ لم أظنه ما زال ينزف هو ينصت في صمت وأنا أتمزق في الحديث
في الظلام لا وجوه ولا أقنعة فقط أنا وعتمتي وحقيقة عارية لا يمكن التفاوض معها الليل يجعلني صادقةً أكثر مما ينبغي يجردني من محاولاتي المتكررة للتماسك يسحبني من زيف النهار إلى عمق ذاتي حيث لا شيء سوى الحقيقة الموجعة والبوح الذي لا يجد منفذًا في ضوء الشمس
لكن رغم قسوته لا أستطيع مقاومته أعود إليه كل ليلة أستند على كتفه من جديد أترك له أسراري وهو يخبئها في صدره المظلم أنا وهو عقدنا صداقةً لا تفهم، تحالفًا لا يكسر، هدنةً بيني وبين نفسي في الليل حين يشتد البوح قلبي مزدحم بالحب لكنه متعب من حمله
بصمت أبحث عن أمي بين النجوم فأجد صمتها يحتويني أكثر من كل الكلمات وفي كل ليلة أخبر الليل عن أمي فيصمت أكثر ومهما أثقلني الليل بأسراري يأتي الفجر دائمًا ليهمس لي بأن الغد أجمل والحياة مليئة بالأثقال بعضها نحمله على أكتافنا وبعضها يسكن في أعماقنا دون أن يراه أحد،لكن مهما اشتد الظلام لا تنس أن رحمة الله أوسع وأن كل ليل يعقبه فجر، وكل هم يحمل في طياته فرجًا لا يعلمه إلا الله، فلا تيأس إذا طال الانتظار فما عند الله أجمل وأبقى، اللهم أجعل لنا في كل عسر يسرًا وفي كل ظلمة نورًا و إن ضاقت بنا الدنيا فوسع لنا من رحمتك وفي نهاية المطاف لا شيء يبقى بعد البوح سوى الصمت والصبح الذي يأتي دائمًا ليغسل آثار الاعتراف بيني وبين الليل .