الدكتور محمد مصطفي فى حوار خاص لـ”جريدة اليوم” الذكاء الاصطناعي بين الفرصة والتهديد

حوار: الشعراوي عبدالله
يشهد العالم سباقًا نحو ترسيخ تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي باتت تشكّل ملامح الحاضر والمستقبل معًا. وفي هذا الحوار لـ“جريدة اليوم“، يتحدث الدكتور محمد مصطفى، استشاري تقنيات الذكاء الاصطناعي، عن الفرص والتحديات
: هل تعتقد أن الذكاء الاصطناعي يشكل تهديدًا حقيقيًا للوظائف، أم أنه سيوفر فرصًا جديدة لم تكن موجودة من قبل
الدكتور محمد: في الواقع، الذكاء الاصطناعي ليس كيانًا مستقلًا يحمل نوايا تهديدية، وإنما هو أداة طُورت لخدمة الإنسان وتوسيع قدراته. لكنه، كأيّ تقنية ثورية في التاريخ، يأتي بتحديات ومخاوف مشروعة.
وهناك بالفعل مؤشرات على أن بعض الوظائف الروتينية، سواء في القطاعات الصناعية أو الخدمية، مهددة بالاختفاء أو التقلص، خاصة تلك التي تعتمد على التكرار وقلة الإبداع.
لكن الأهم من التركيز على ما قد يُفقد، هو الانتباه إلى ما يُمكن أن يُكتسب. الذكاء الاصطناعي يفتح أبوابًا واسعة أمام وظائف جديدة لم تكن موجودة من قبل. على سبيل المثال:
محللو البيانات، مهندسو التعلم الآلي، خبراء أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، مطورو المحتوى الذكي، ومدربو الأنظمة التفاعلية… كلها وظائف حديثة ظهرت نتيجة تطور هذا المجال، وستزداد الحاجة إليها في المستقبل.
ولذلك، أنا لا أنظر إلى الذكاء الاصطناعي كتهديد للوظائف، بل كتحدٍ لإعادة تعريف المهارات المطلوبة في سوق العمل وهنا يبرز دور الحكومات والمؤسسات التعليمية
في تطوير سياسات تعليمية مرنة تسمح بإعادة تأهيل الأفراد ومساعدتهم على الانتقال من وظائف آيلة للاندثار إلى أخرى تتطلب فكرًا إبداعيًا ومهارات تحليلية عالية.
: ما أبرز التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي التي تعتقد أنها ستغير شكل الحياة اليومية خلال السنوات القليلة القادمة؟
نحن نعيش بالفعل في مرحلة انتقالية، أصبحت فيها تطبيقات الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل الحياة اليومية، لكن القادم أعظم. أعتقد أن هناك خمسة مجالات رئيسية ستشهد تغيرًا جذريًا خلال السنوات القليلة القادمة:
التعليم: ستتحول النظم التعليمية من النمط التلقيني التقليدي إلى أنظمة تعليم ذكية قادرة على فهم احتياجات كل متعلم على حدة. سنتعامل مع منصات تعليمية قادرة على تقديم محتوى مخصص بناءً على أداء الطالب، وتحديد نقاط ضعفه، بل وتقديم دعم نفسي وتربوي رقمي.
المدرس سيظل محوريًا، لكن دوره سيتحول من ملقن إلى موجه وميسر، كما أن الذكاء الاصطناعي سيُحدث ثورة في الطب، ليس فقط في التشخيص الدقيق، بل أيضًا في تطوير الأدوية، وتحليل الأشعة، وإدارة المستشفيات. سيكون من الممكن تحليل ملايين السجلات الطبية في وقت قياسي للخروج بتوصيات علاجية مخصصة لكل مريض.
المواصلات: مع تطور السيارات ذاتية القيادة، وتحليل بيانات المرور لحظة بلحظة، سيصبح التنقل أكثر أمانًا وسلاسة، خاصة في المدن الكبرى التي تعاني من الزحام والتلوث.
الخدمات الحكومية: الذكاء الاصطناعي سيساهم في تقديم خدمات أسرع وأكثر شفافية للمواطنين، من خلال منصات رقمية قادرة على التفاعل الذكي، وفهم اللغة الطبيعية، وتقليل التعقيد الإداري.
المنازل الذكية: حيث تدار الإضاءة والتدفئة والأمن والطعام من خلال نظم ذكية تفهم عادات المستخدمين وتتكيف معها.
كل هذه التطبيقات ستغير علاقتنا بالتكنولوجيا، وتجعل الحياة أكثر كفاءة، لكنها في الوقت ذاته تتطلب وعيًا مجتمعيًا بأهمية الاستخدام الأخلاقي لهذه الأدوات.
: كيف يمكن للجامعات ومراكز البحث العلمي في مصر والمنطقة أن تواكب التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي؟
هذا سؤال مهم للغاية، لأن الرهان الحقيقي في سباق الذكاء الاصطناعي ليس فقط على استيراد التكنولوجيا، بل على إنتاج المعرفة وبناء الكوادر. في رأيي هناك ثلاث مسارات رئيسية يجب أن تعمل عليها الجامعات ومراكز البحث العلمي في مصر والمنطقة العربية:
أولًا: إصلاح المنظومة التعليمية على مستوى المناهج. يجب أن تتبنى كليات التربية، والهندسة، والحاسبات والمعلومات، بل وحتى الآداب والعلوم الاجتماعية، مساقات تفاعلية متطورة تدمج الذكاء الاصطناعي كأداة تحليل وتفكير، لا مجرد مادة نظرية.
نحن بحاجة إلى خريج يفكر بطريقة خوارزمية، يفهم معنى البيانات وكيفية التعامل معها.
ثانيًا: دعم البحث التطبيقي والمشترك. معظم أبحاثنا العربية ما زالت تميل للطابع النظري. لا بد من تشجيع المشاريع البحثية التي تربط الجامعة بسوق العمل، والتي تعالج مشكلات واقعية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وهذا يتطلب تمويلًا جادًا، وحرية أكاديمية، وشراكات مع الشركات.
ثالثًا: الاستثمار في بناء الكفاءات. يجب ألا نكتفي بتخريج الطلاب، بل علينا تدريب الأساتذة أولًا، وتأهيلهم لمواكبة ما يُنشر عالميًا. ولا مانع من إرسال بعثات علمية لدول رائدة، لكن بشرط أن تكون تلك البعثات مرتبطة بخطط واضحة لتوطين المعرفة عند العودة.
التطور في هذا المجال ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية لضمان ألا نُصبح مجرد مستهلكين لمنتجات ذكية طورتها دول أخرى.
: كيف ترى مستقبل الذكاء الاصطناعي في العالم العربي، وما التحديات التي تعيق تطوره محليًا؟
الدكتور محمد ، أرى أن العالم العربي أمام فرصة ذهبية – وربما أخيرة – ليصنع له موطئ قدم في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي. نمتلك الطاقات البشرية، والاحتياجات الاقتصادية، والدوافع المجتمعية التي يمكن أن تجعل من الذكاء الاصطناعي محورًا للتنمية.
هناك نماذج واعدة بدأت تظهر، مثل الإمارات والسعودية، حيث وُضعت استراتيجيات وطنية واضحة، واستُثمر في البنية التحتية والكوادر. لكن الطريق لا يزال طويلًا.
التحديات متعددة، من أبرزها:
غياب الرؤية الموحدة: كثير من الدول تفتقر إلى استراتيجية وطنية شاملة للذكاء الاصطناعي، تُحدد الأهداف، والقطاعات ذات الأولوية، ومصادر التمويل.
ضعف التعليم: ما زالت الأنظمة التعليمية التقليدية تكرّس الحفظ والتلقين، في حين أن الذكاء الاصطناعي يقوم على الإبداع والتحليل وحل المشكلات.
نقص البيانات المفتوحة: الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى بيانات ضخمة ومُنظمة، وهو ما لا يتوفر بسهولة في معظم الدول العربية بسبب غياب الشفافية والبنية الرقمية.
والاعتماد على الخارج: معظم أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة عربيًا مُستوردة، ما يجعلنا رهائن للتكنولوجيا دون أن نكون جزءًا من صناعتها.
الحساسية الثقافية: هناك تخوّف مشروع من تأثير الذكاء الاصطناعي على الهوية، والقيم، والخصوصية. وهنا تظهر الحاجة إلى متخصصين يجمعون بين المعرفة التقنية والوعي الثقافي.
ورغم هذه التحديات، أنا متفائل. متفائل لأن هناك وعيًا جديدًا بدأ يتشكل، ولأن شباب العالم العربي يثبت يومًا بعد يوم أنه قادر على المنافسة، إذا أُتيحت له الفرصة وتوفرت له بيئة حاضنة للابتكار.
أقرأ ايضا