عاطف الجلالي يكتب: فلا تلعنوا ترامب وحده

ثمة رابط قوي قفز إلى ذهني بمناسبة زيارة ترامب الخليجية وتداعياتها المخزية ، رأيتني أستدعي ما دار بين ربعي بن عامر ورستم قائد الفرس في معركة القادسية – ليكشف لنا بين عزة المسلمين الاوائل وهوان السلاطين الاواخر – حينما طلب من سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه وفداً يكلمه ، فبعث إليهم -ربعي بن عامر ، وكان رستم في مجلسه حيث الوسائد المنسوجة بالذهب وغير ذلك من الأمتعة الثمينة ، فإذا بهم برجل يرتدي ثياباً صفيفة يتوشح سيفه ورمحه راكباً على فرسه وهو كذلك يدوس البساط والنمارق برمحه حتى مزقها وهتكها ، فلما اقترب من مجلس رستم قال له الحرس ضع سلاحك، فرفض وقال أنتم من دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت ، فأذن له رستم وقال له ما جاء بكم ، فأجابه بعزة وثبات : لقد ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فقال رستم فهل لكم أن نؤخر هذا الأمر حتى ننظر وتنظرون ، فرد ربعي أحب إليكم يوم أو يومين ، فقال رستم بل حتى نكاتب أهل الرأي من قومنا ، فقال ربعي ما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخر القتال أكثر من ثلاث ليال ، فأنظر في أمرك ثم اختر واحدة من ثلاث، إما الإسلام أو القتال وإما الجزية عن يد وأنتم صاغرون ، هذة هي عظمة الإسلام فقد وقف ربعي أمام رستم وسط جنودة وحراسه المدججين بالسيوف والرماح ، شامخاً مرفوع الهامة لم يخنع أو يذل ، بل كان كالأسد الهصور الذي يتفرس ذبيحته وهو يفرض شروطه ، هذا الجيل من الصحابة رضوان الله عليهم عرفوا حلاوة الإيمان وحب الجهاد في سبيل الله ، فلم تقوى عليهم جبابرة الأرض وطواغيتها حتى دانت لهم أعظم وأعتى إمبراطوريتين في العالم – الفرس والروم – وانساخ الإسلام في ربوع الأرض شرقاً وغرباً ، إلى أن نجح الإستعمار العالمي أن يصنع أشباه رجال يضعهم على سدة الحكم يستحوا من الإنتساب إلى الإسلام ليكونوا ذيولاً في ركابه يجرهم كيف شاء ، وها هم على الدرب المرسوم يتسابقون أذلاء في خطب ود ترامب قاتل أطفال المسلمين بمليارات الدولارات والهدايا – ولم ينطقوا غزة الجريحة ببنت شفاة – ، معتقدين أنه ظهيرهم وحامي عروشهم ، ولو أن هذه المليارات أُنفقت على البحث العلمي والإنتاج والعتاد لصارت الأمة العربية والإسلامية مارداً في قلب العالم يعمل له ألف حساب ، ولكنهم آثروا العافية في الإنبطاح ، ولعلي أذكر بالتاريخ ، حينما اقتحم هولاكو ملك التتار بغداد غازياً ، ودخل القصر وأمر بإحضار الخليفة المستعصم صاغراً ، وقال له أنت المضيف ونحن الضيوف فأحضر ما يليق بنا ، فجاء بصناديق المجوهرات والنفائس ، فلم يلتفت هولاكو وأعطاها للحاضرين ، وقال هذة الأموال إن هي إلا ظاهرة على الأرض وهي ملك لعبيدنا ،لكني اذكر ما تملكه من الدفائن فاعترف الخليفة بأن هناك حوض مملوء بالذهب في ساحة القصر فحفروا تحته حتى وجدوه مليئا بالذهب الاحمر ، السبيكة الواحدة تزن مائة مثقال، فتعجب هولاكو وقال كيف يكون للخليفة كل هذة الكنوز ويبخل على جنده بأرزاقهم !! هكذا تنهار الأمم حينما تستأثر الطبقة الحاكمة وحدها بمقدرات الشعوب ، عندئذ يستشري الظلم و الفساد فتكون الهلكة ، أكبر الظن عندي أن إحتقار رئيس البيت الأبيض للذين فزعوا إليه بالقرابين من النفائس والذهب طوعاً وهم صاغرون ، لا يقل عن إحتقار هولاكو ملك التتار للخليفة المستعصم ، فلا تلعنوا ترامب وحده……………………. عاطف الجلالي.المحام