
تقرير: سمر صفي الدين
في خضم تصاعد دراماتيكي جديد على الساحة السورية، شنت إسرائيل غارات جوية عنيفة على العاصمة دمشق، استهدفت مواقع حساسة من بينها مقر وزارة الدفاع السورية.
وبينما ساد صمت مريب من القيادة السورية الجديدة، تزايدت التساؤلات حول دوافع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وراء هذه الضربة، خاصةً أنها تأتي في وقت يواجه فيه تصدعًا متسارعًا في ائتلافه الحكومي.
حيث أعلن حزب “يهدوت هتوراه” الديني المتشدد انسحابه، أمس، واليوم قرر مجلس حكماء التوراة لحركة “شاس” الانسحاب من المناصب الائتلافية في الكنيست والحكومة. ما فاقم عزلة نتنياهو السياسية، وعمق أزمته.
وتشير التحليلات إلى أن ما يجري ليس مجرد رد أمني على تهديدات حدودية، بل هو تصعيد مدروس في سياق هروب سياسي. “القفز إلى الأمام” بات سياسة ثابتة لدى نتنياهو، يخفي بها تصدع حكومته، ويشرع بها مشاريعه التوسعية.
نظرية “القفز للأمام”
الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن العربي والدولي، إبراهيم الدراوي، يرى أن ما يقوم به نتنياهو هو جزء من “نظرية القفز إلى الأمام”، التي باتت سمة دائمة لسياسته.
ويقول الدراوي في تصريحات خاصة لموقع “اليوم”:”نتنياهو لم يخرج من حرب حتى يدخل في أخرى. لم ينهِ عدوانه على غزة، وها هو ينتقل إلى حزب الله ثم إلى طهران، والآن إلى دمشق. الهدف واضح: الهروب من تفكك حكومته المهترئة، التي تهددها انشقاقات من الداخل.”
ويضيف الدراوي أن نتنياهو يعتقد أن “الحروب تبقيه في المشهد وتمنحه مشروعية زائفة للبقاء”، لكنه يحذر من أن الصمت السوري أمام هذا التصعيد “مخزٍ ويشكل كارثة حقيقية”، ويعكس – حسب تعبيره – “تغييرًا خطيرًا في قواعد الاشتباك”.
تغطية على فشل سياسي
من جانبه، يؤكد الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي، فتحي بوزيه، أن التصعيد الأخير ليس معزولًا عن الأزمة الداخلية التي تعصف بالحكومة الإسرائيلية.
ويقول في تصريحات متلفزة: “نتنياهو دائمًا يلجأ لأسلوب القفز إلى الأمام. في كل مرة يشعر أن كرسيه يهتز، يفتعل أزمة خارجية. بالأمس مع إيران، واليوم مع سوريا.”
ويشير بوزيه إلى أن انسحاب وزراء حزب “غانتس” وتفكك كتلة الوسط، ثم انسحاب “يهدوت هتوراه”، والتهديد الذي أطلقته حركة “شاس” بالانسحاب، كلها عوامل تجعل من حكومة نتنياهو “هشة وعرضة للسقوط في أي لحظة”.
لكنه في الوقت نفسه يستبعد حدوث ذلك في المدى القريب، مؤكدًا أن نتنياهو سيستمر في استخدام التصعيد الأمني والعسكري كأداة للضغط السياسي الداخلي ولم شتات اليمين من حوله، مؤقتًا على الأقل.
الحكومة لا تسقط.. لكنها تُشل
وبينما رأت بعض التقديرات أن انسحاب “شاس” سيعني سقوط الحكومة فورًا، يقدم الدراوي قراءة مغايرة، إذ يقول: “السيناريو الأقرب ليس السقوط، بل الشلل. أي أن قرارات الحكومة لن تدخل حيز التنفيذ، وسيتوقف عملها فعليًا حتى نهاية إجازة الكنيست.”
ويضيف أن هذا هو “الخطر الحقيقي” الذي يواجه إسرائيل اليوم، محذرًا من تفكك فعلي لقدرة الحكومة على اتخاذ قرارات، خصوصًا في ظل أزمة عميقة مع الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة، وعلى رأسها “شاس” و”يهدوت هتوراه”.
مشروع تقسيم سوريا
يعيد الدراوي التذكير بأن أهداف نتنياهو لا تقتصر على الداخل فقط، بل تمتد لتخدم ما وصفه بـ”الرؤية الصهيونية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط”.
ويقول: “إسرائيل تسعى لدعم قيام نظام فيدرالي في سوريا. تقسيم سوريا طائفيًا، بين دروز وأكراد وسنة وعلويين، يحقق لإسرائيل مصلحة استراتيجية: شرق أوسط جديد بطعم صهيوني.”
ويؤكد أن ضرب دمشق وتحييد الجيش السوري يأتي ضمن هذه الرؤية، لتفتيت الدولة السورية ومنع عودتها كقوة إقليمية فاعلة.
تغير قواعد الاشتباك؟
في الوقت الذي لم يصدر فيه أي رد عسكري سوري أو حتى موقف رسمي صارم تجاه الغارات، يعبر الدراوي عن خيبة أمل شديدة من موقف القيادة السورية الجديدة، قائلًا: “من كانوا يرددون لسنوات شعارات التوجه نحو القدس، لا يستطيعون اليوم حتى الدفاع عن أنفسهم. هذا تغيير خطير في قواعد الاشتباك… أو بالأحرى، سقوط لها.”
حكومة مأزومة.. ويمين ينتظر الانفجار
في ظل تهديد “شاس” بالانسحاب، يبدو أن المشهد السياسي الإسرائيلي على حافة الانفجار. لكن بوزيه يعتقد أن نتنياهو قد ينجح مجددًا في كسب الوقت، مستفيدًا من حالة الحرب لتأجيل أزمته الداخلية، على الأقل حتى انتهاء دورة الكنيست الحالية.
ويختم الدراوي بالقول: “نتنياهو لا يبحث فقط عن بقاء سياسي، بل عن تغيير خريطة الشرق الأوسط. وهذا ما يجعل كل حرب يخوضها ليست فقط حربًا للهروب، بل خطوة على طريق إعادة رسم المنطقة.”