
تقرير: مروة محي الدين
في الحلقة السابقة من اتفاقية ممر زانجيزور، كانت شرارات تلوح من تحت الرماد للصراع الدولي على الممر الإستراتيجي، البالغ طوله 32 كيلومترًا، الذي يربط أذربيجان بجمهورية نخجوان، مرورًا بمقاطعة سيونيك الأرمينية، حيث تتصارع عدة أطراف على الممر، ويحمل كل طرف حساباته الخاصة، التي تدفعه للسيطرة عليه.
صراع مراكز القوى
بالنظر للأطراف المتصارعة، نجدها تنقسم إلى أطرافا داخلية: وهي الأطراف التي يمر بها زانجيزور أو يمر بالتماس مع حدودها: وأخرى خارجية: وهي القوى التي لها مصالح في المنطقة يؤثر عليها الممر، دون أن تكون دولة حدودية معه، ويحمل كل منها توجها مختلفًا نحوه.
الأطراف الداخلية: يرى الدكتور “محمد الألفي”- خبير الاقتصاد السياسي- في تصريحات خاصة لموقع “اليوم“، أن أولها “أذربيجان باعتبارها طرف رئيسي على هذا الممر، تؤيد المشروع بهدف تصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، اعتمادا على دعم تركي عسكري؛ فيما تعارضه أرمينيا التي يمر جنوبها، وذلك خشية فقدان سيادتها على إقليم سيونيك، مستندة على تحالفها مع روسيا وإيران؛ كما تعارضه إيران، التي يتواجد الممر على بعد 20 كيلومترًا فقط من حدودها، فيهدد مخططاتها الناقلة إلى أرمينيا، ما قد تلجأ إلى تحريض الأقلية الأذرية الإيرانية”.
وحول الأطراف الخارجية: يقول خبير الاقتصاد السياسي إن “تركيا أول داعمي هذا المشروع، وذلك سعيًا لتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى، عبر استثمارات في البنية التحتية ودعم عسكري؛ وتعارضه روسيا، بسبب تهديد احتكارها لإمدادات الطاقة إلى أوروبا، وبناءً على ذلك تدعم أرمينيا عسكرياً؛ وفي اتجاه مختلف تسير الصين، حيث تبدو محايدة ظاهرياً، لكن الممر قد يؤثر سلباً على مشروع الحزام والطريق، لذا تدعم روسيا وإيران سراً”.
حلقة وصل إستراتيجية
الصراع بين القوى العظمى على الممر، بين مؤيد ومعارض ومقاوم، ومحاولة بعضها فرض الهيمنة للحصول على أكبر المكاسب منه، يلقي الضوء على الأهمية الجيوإستراتيجية الفائقة التي يحوزها المشروع، والسبب الحقيقي الدافع لكل تلك التحركات.
وهو ما أوضحه “الألفي” قائلًا: “يمثل ممر زانجيزور حلقة وصل حيوية، تربط أذربيجان الغنية بالنفط والغاز بناختشيفان المحاصرة بين أرمينيا وإيران، ثم يمتد إلى تركيا وأوروبا، التي تعتمد في الوقت الحالي على خطوط الغاز الروسية مثل نورد ستريم والإيرانية التي تواجه عقوبات، وذلك بشكل رئيسي، بيد أن التقديرات تشير إلى تقليص الممر الجديد الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي بنسبة تصل إلى 30%”.
اللاعب الخفي
ظهرت الولايات المتحدة على ساحة الصراع، باعتبارها لاعبًا جديدًا، وذلك بطرح اتفاقية بينهما وبين أرمنيا للسيطرة على الممر لمدة 100 عام، قد تشمل إنشاء قواعد أمريكية أو مراكز مراقبة على الممر، ويرى “الألفي” أن الغرض من ذلك “إضعاف روسيا وإبعاد تركيا عن التحالف مع الصين في آسيا الوسطى، ومنع أي سيطرة صينية مستقبلية عليه”.
وعن الصين، أشار إلى: أن نجاح السيطرة الأمريكية على الممر، قد يقود إلى سيناريو شديد السوء، حيث “تواجه تهديدات مباشرة تشمل خسارة استثمارات الحزام والطريق في آسيا الوسطى، التي تقدر بنحو 8 مليارات دولار في كازاخستان وحدها، كما سيضعف نفوذها في أوروبا الشرقية حال صعدت تركيا وتيرة دخولها مجال الطاقة باعتبارها لاعب رئيسي”، وهو يقود إلى تحركها كما جاء في الحلقة السابقة لفرض عقوبات على “أذربيجان مثل تقليل استيراد القطن الأذري، أو تسليح أرمينيا عبر إيران لخلق أزمات داخل الممر”.
أما عن الموقف الأوروبي، فقد يشهد انقسامًا- وفقًا لخبير الاقتصاد السياسي- يتحدد حسب التحالفات والخصومات، فتعارضه الدول المولية لروسيا مثل: المجر، وتدعمه أخرى تسعى لضرب التحالف بين روسيا والصين؛ وعلى جانب آخر قد تدعم تركيا دعمًا حذرًا، عبر تقديم قروض مشروطة لتطوير الممر، وتكون أهم شروطها وقف دعم الإسلاميين في ليبيا.
توتر الاوضاع بين أذربيجان وايران بعد انباء قرب شن القوات الآذرية هجوما لقطع ممر زانجيزور الارمني الفاصل بين ايران وأرمينيا حيث ان هذا الممر هو الفاصل نحو التجارة مع اوروبا
وأنباء عن تأهب قاعدة الصواريخ في”تبريز”لشن هجوم على باكو، في حال الهجوم على قوات حفظ السلام الايرانية بالممر pic.twitter.com/dchAVRtvFr— د.عصام الصالح (@Q8demo) March 21, 2023
لكن تلك التحالفات والخلافات يظهر فيها الممر بمثابة قنبلة جيوسياسية موقوتة، قد تنفجر في أي وقت، حيث يقول “الألفي”: “قد تشن أرمينيا عدة هجمات عسكرية على الممر، حال حصولها على دعم عسكري روسي، بينما تقدم إيران على تعطيل المشروع باستخدام الميليشيات الأذرية شمالها، وتتبع تركيا نفس سياستها مع إقليم قرة باج، فترسل قوات لحماية الممر”.
سلاح جيوإستراتيجي
ملخص الحديث في هذا الممر، الذي يمثل سلاحًا جيوإستراتيجي فعال في منطقة القوقاز، سرده “الألفي” في ختام حديثه قائلًا: “الممر الذي لا تقتصر أهميته على كونه طريق مروري، فقد تستخدمه الصين ورقة ضغط لانتزاع تنازلات من أوروبا، أو ورقة مساومة لكسب الوقت حتى اكتمال مشروعاتها البديلة، إذ قد تُسرع بناء خط نقل بديل، عبر (إيران- أرمينيا- جورجيا) بتكلفة 12 مليار دولار، مع زيادة الاستثمار في طريق الغاز الروسي- الصيني”.
وأضاف: “وعلى جانب آخر، يعد الممر سلاح تركي للانفصال عن النفوذ الروسي؛ كما تحقق أوروبا مكاسب كبيرة منه، حيث يوفر لها 40 مليارمتر مكعب من الغاز سنوياً بحلول عام 2030، ما قد يتيح خفض أسعار الطاقة بنسبة 15-20%؛ وأخيرًا يمثل مصدر قلق أمريكي من أي تقارب صيني- إيراني”.