الرئيسيةعرب-وعالم

مذكرة بودابست… خطأ إستراتيجي تدفع أوكرانيا ثمنه اليوم

تقرير: مروة محي الدين

“لم نعد متورطين في تكلفة الحرب”، هكذا حل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” نفسه من عهد دعم أوكرانيا في حربها، مؤكدا ذلك في تصريحات متكررة، أخرها بالأمس، حين نفى براءة الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” من مسؤولية الحرب، نافيا دفع بلاده “أموالا لأوكرانيا”، مثلما يفعل حلف شمال الأطلسي- الناتو، الذي “يعمل معها ويمنحها مئات مليارات الدولارات طوعا أو كرها”- على حد تعبيره.

ترامب: الحرب بأوكرانيا ستكون اقتصادية وليست عالمية

وذلك على الرغم من النداءات المستمرة، التي مازال “زيلينسكي” يطلقها لدعمه عسكريا واقتصاديا لاستكمال الحرب، وكأن “ترامب” بتصريحاته يصادق على ذلك التصريح، الذي أطلقه الرئيس الأوكراني في بداية الحرب، حين قال: “ليس هناك من يريد أن يحارب معنا”.

ليعيد إلى الأذهان تلك الاتفاقية، التي هدد “زيلينسكي” في مؤتمر ميونخ- قبيل الاعتداء الروسي بعدة- بإعادة النظر فيها: مذكرة بودابست لعام 1994، التي اتفقت فيها أوكرانيا مع كل من: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية وروسيا، على ضمان استقلالها ووحدة أراضيها وحمايتها من الاعتداء، مقابل تدميرها لترسانتها النووية، التي ورثتها عن الاتحاد السوفيتي السابق، وكانت تمثل ثالث ترسانة أسلحة نووية في العالم؛ وقد اتهم الرئيس الأوكراني- وقت التهديد- الدول الموقعة على المذكرة، بعدم الوفاء بتعهداتها، ومن ثم لم تعد الاتفاقية سارية؛ وبعد مرور ثلاث سنوات ونصف من الحرب، لم يعد إلغائها تهديدا، لأن الأسلحة النووية لم تعد موجودة.

وذلك هو الخطأ، الذي قال عنه الدكتور “خالد عمر”- الخبير السياسي والاقتصادي وخبير التجارة الدولية- في تصريحات خاصة لموقع اليوم: “مسألة اتفاقية بودابست مهمة للغاية، لأنها لم تكن سوى خطأ إستراتيجي فادح وقعت فيه أوكرانيا، ووقع فيه الغرب، حينما وقعت على التخلص من ترسانتها النووية، حيث كانت تملك معظم مخزون الأسلحة النووية للاتحاد السوفيتي، وقت انهياره، وحينما تخلصت أكرانيا من تلك الترسانة، تقربا للغرب وسعيًا للاندماج مع العالم الحر، كان الخطأ الإستراتيجي الذي لم يستفد منه سوى روسيا؛ فلو كانت أوكرانيا ما زالت تمتلك تلك الترسانة، ما كان بوتين ليجرؤ على دخولها، وكان سيفكر ملايين المرات قبل تنفيذ خطة الغزو”.

قصة بودابست

بودابست… هي قصة المحارب الذي كسر سيفه انصياعًا لطلب عدوه، وحينما جاء وقت النزال واجه عدوه أعزلًا، دون أن يجد من ينصره، كان هذا هو التشبيه الذي وضعه الصحفي المصري “جلال الغندور” لهذه القصة، في منشور على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، بعنوان: ” لا تكسر سيفك”.

وقال في متن المنشور: “عام ١٩٩١ بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، حصلت أوكرانيا على ثلث الأسلحة النووية السوفيتية، ما يقدر بنحو: ٥٠٠٠ صاروخ وسلاح نووي متنوع، وبهذا أضحت ثالث أكبر قوة نووية في العالم.

وعلى مدار ثلاث سنوات، استمرت روسيا والولايات المتحدة في إقناع كييف وإغرائها، لتدمر ترسانتها النووية، وتزعمت واشنطن المفاوضات، لاسيما أن الصواريخ الموجودة في أوكرنيا، كانت صاحبة المدى الأكبر في العالم، الذي بيصل إلى ٧٠٠٠ كيلومتر- أي أنها قادرة ومخصصة لضرب الولايات المتحدة”.

وتابع “الغندور”: “وفي سنة ١٩٩٤ قررت كييف تدمير ترسانتها النووية، مقابل بعض المساعدات المالية، التي قدمتها واشنطن، ووقعت أوكرانيا مع أمريكا وبريطانيا وروسيا وايرلندا الشمالية ما عرف بمذكرة بودابست، التي التزمت فيها الدول الأربعة بالدفاع عن أوكرانيا، وعدم الإعتداء عليها مقابل تخلصها من سلاحها”.

وعند هذه النقطة يثور التساؤل: هل شارك الغرب في مؤامرة، عبر تلك المذكرة، لتقديم أوكرانيا لروسيا، على طبق من ذهب لتلتهمها؟

نفى “عمر” في تصريحاته ذلك الاحتمال، فقال: “لا أظن أن الغرب باع أوكرانيا لروسيا بهذه الاتفاقية، فكيف يفعل ذلك؟ وما المقابل الذي حصل عليه؟ نعم كل الاحتمالات واردة، ولكن أعتقد أن هذا احتمال ضعيف جدا؛ لأنه دائما في أي اتفاقية، وأي وضع جيوبوليتيكي، يجب أن نسأل من المستفيد؟ هل الغرب سيستفيد من ذلك؟ وإذا كان ذلك الاحتمال صحيحًا، فلما يدافع الغرب عن أوكرانيا الآن؟ ومن هنا فهذا احتمال بعيد للغاية؛ ولكن يبقى من أساسيات النظام العالمي، والنظم السياسية والعسكرية والاقتصادية، قانون أزلي في أي مجال علينا ألا ننساه، وهو قانون الغاب: البقاء للأقوى: إن لم تكن قويًا أكلتك الذئاب”.

اتفاقية متكررة النقض

في مذكرة “بودابست”، تعهدت الدول الأربعة الموقعة عليها مع أوكرانيا، بضمان وحدة وسلامة الأراضي الأوكرانية، وهو ما لم يحدث، فمنذ عام 2014 ، بدأت روسيا في سلسلة اعتداءات على وحدة واستقلال الأراضي الأوكرانية، فاحتلت شبه جزيرة القرم ولم يحرك الغرب ساكنًا للوفاء ببنود المذكرة.

وتبعت ذلك باعتداء آخر، فدعمت المجموعات الانفصالية بإقليم “دونباس”، وتحديدًا في منطقتي “دونيستك” و “لوهانسك”، لتدخل هذه المجموعات في صراع مسلح مع الجيش الأوكراني، ولم تكتفِ بذلك بل اعترفت، قبيل الغزو بأيام يوم 21 فبراير عام 2022، باستقلال المنطقتين باعتبارهما جمهوريتين مستقلتين، وأمر الرئيس الروسي -عقب الاعتراف- بإرسال قوات إليهما، ليكون النقض الثاني لبنود المذكرة.

وبينما ينص البند الثاني من المذكرة، التي وقعت عليها روسيا مع الدول الأربع الأخرى، على عدم الاعتداء على أوكرانيا أو استخدام أسلحتها ضدها، حيث يقول: “تؤكد روسيا الاتحادية، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى، وأيرلندا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية تعهدها بمنع التهديد أو استخدام القوة ضد وحدة أراض أوكرانيا، أو الاستقلال السياسي لها، وأن أيًا من أسلحتها لن يستخدم ضد أوكرانيا، إلا في حالة الدفاع عن النفس، أو على جانب آخر وفقًا لميثاق الأمم المتحدة”، نفذت روسيا اعتداء عليها، بدأ في 24 فبراير 2022 ويستمر إلى الآن، ليكون ذلك النقض الثالث لعهود المذكرة.

وفي كل مرة مرة يتحرك الغرب بسلسلة من الإدانات والشجب، لا يتجاوز أثرها حدود الميكروفون الذي نقلها، فمازال التوغل الروسي في الأراضي الأوكرانية قائمًا، ومازال الضحايا يتساقطون، وسط تنصل تدريجي من الولايات المتحدة وحلفائها، متجاهلين البند الرابع من المذكرة الذي ينص على: “تؤكد كلا من روسيا الاتحادية، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى، وأيرلندا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية التزامها، بالسعي الفوري لدى مجلس الأمن، للتحرك لتقديم يد العون لأوكرانيا- باعتبارها دولة منزوعة السلاح النووي، وطرف في اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، حال أصبحت أوكرانيا ضحية، لأي نوع من الاعتداء أو أي نوع من التهديد بالاعتداء، الذي تستخدم فيه الأسلحة النووية”.

وعلى الرغم من تكرار تهديدات “بوتين” باستخدام السلاح النووي، الذي يتعارض بصراحة مع نص ذلك البند، لم تتحرك باقي الدول الموقعة على المذكرة، وفي هذا الصدد، أشار “عمر” لعدم معقولية المذكرة من الأساس، فقال: “بصفة عامة، أوكرانيا تدفع الآن ثمن ما قامت به، من تخليها عن ترسانتها النووية، لأن ذلك خطأ إستراتيجي، فإن كانت مازالت تمتلك هذه الترسانة، لكانت تمتلك قرارها وسيادتها الآن، وكان الجميع سيقف في صفها، سواء تأييدا لها أو خوفا منها؛ أما أن يكون لدي سلاح قادر حمايتي وأتخلى عنه، فذلك ما يجب أن يُسأل عنه قادة أوكرانيا، لأنهم أخطأوا خطأً تاريخيا لا يغتفر، وما المقابل؟ أن يحصلوا على عضوية الناتو!”.

ندم لا ينفع

“هل من المنطق، أن أبيع حمايتي وقدراتي العسكرية الذاتية، مقابل شراء حماية عسكرية خارجية؟ إلا إذا كانوا مغيبين، فأن يكسر المقاتل سيفه وينتظر آخرين يدافعون عنه، هذا تصور ساذج جدًا”… هكذا لخص “عمر” موقف قادة أوكرانيا الموقعين على الاتفاقية.

وهي الرؤية التي تقابلت مع حجم الندم، الذي أبداه “زيلينسكي” على تلك الاتفاقية، التي لم يوقعها، فهدد بإلغائها ولم يجرؤ على تنفيذ تهديده، خلال سنوات الحرب، إذ فقد إلغائها قوة الفعل، بعد أن تحقق قول “الغندور” في ختام منشوره- سالف الذكر: “اليوم نفدت المبالغ المالية التي حصلت عليها أوكرانيا منذ سنوات طويلة، وروسيا التي وقعت على حماية كييف هي من غزاها، والدول الثلاث المتبقية في المذكرة، يقفون متفرجين على الدب الروسي وهو يلتهم الدولة الأوكرانية”.

ذلك أنه ندم قوة كانت ثالث قوة نووية بالعالم، أضحت تستجدي الدعم، كل يوم، لتواصل وحدات جيشها المنهكة القتال أمام الدب الروسي، الذي لا توقفه عقوبات أو اتفاقيات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights