
حوار: مروة محي الدين
على الرغم مما يروج عن محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا، مازال القتال مشتعلا على طول خط المواجهة، على الرغم من تأكيدات الرئيس الأمريكي المستمرة بوشك انتهائها:، ومازالت أوكرانيا تطالب بمزيد من الدعم المادي والعسكري، فيما تعلن روسيا تقدمها المستمر على الأرض.
وهو ما أثار حالة من عدم اليقين، حول ذلك الصراع المستمر منذ ثلاثة أعوام ونصف؛ وفي بحثنا عن إجابة لتساؤل: أين يذهب الصراع الأوكراني الروسي؟ كان لنا- في موقع اليوم– لقاء خاص مع الدكتور “خالد عمر”- الخبير السياسي والاقتصادي وخبير التجارة الدولية، في حديث حول مجمل الأزمة وآفاقها المستقبلية، نعرضه في السطور التالية.
- كيف ترى في الأزمة الأوكرانية الروسية؟
الازمة الأوكرانية الروسية هي موضوع شديد التعقيد، له خلفيات متعددة: سياسية وتاريخية وعسكرية واقتصادية؛ فعلى الساحة السياسية: تتحرك روسيا باعتبارها دولة عظمى مثلها مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وعليه تخشى تمدد النفوذ الغربي في أوكرانيا، المتاخمة لحدودها، ما يعد تهديدًا لأمنها القومي واستقرارها، وذلك حق مشروع؛
وعلى الجانب الاقتصادي: كانت روسيا المورد الرئيسي للطاقة والغاز لأوروبا، ومن ثم حُرِمَت السوق الأوروبية من ذلك، بسبب العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها أوروبا على روسيا، بهدف إثنائها عن عمليتها العسكرية في أوكرانيا، أو التراجع عنها؛ ومن ناحية النفوذ والصراع الخفي التاريخي بين الكتلة الغربية والشرقية: وهو صراع خفي ليس وليد اليوم، لكنه أعلن عن نفسه منذ بداية الصراع الأوكراني الروسي، ومع الوقت تزداد الأمور سوءًا”.
- وماذا عن محاولات إنهاء الحرب، وإقرار اتفاق سلام؟
نعم، هناك محاولات لوقف إطلاق النار وإقرار المصالحة، عبر تسوية سياسية تصل للسلام، لكن ذلك لا يلوح في الأفق، وهو بعيد عن أن يتحقق في المستقبل القريب، ما لم يحقق أحد طرفي النزاع تقدم ملموس على الأرض، فالنزيف العسكري سيستمر ما بقي التكافؤ وتكسير العظام بينهما؛ وذلك على الرغم من لقاء “ترامب- بوتين” في ألاسكا، ولقاء “زيلينسكي وزعماء أروربا- ترامب” بالبيت الأبيض، فالأمور ليست بتلك السهولة.
اتفاق ينهي الحرب
لكن “ترامب”، بثقة الرجل الأمريكي، أعلن مؤخرًا أنه سيتمكن من إيقاف تلك الحرب، مثلما تمكن من إيقاف 7 حروب أخرى، من بينها الحرب بين رواندا والكونغو الديمقراطية المستمرة منذ 35 عاما، ما دفع بنا لسؤال “عمر”:
- ماذا عن تصريحات ترامب بدنو التوصل لاتفاق ينهي الحرب؟
الرئيس الأمريكي يأخد الأمور بسهولة، وبشكل استعراضي كأنه عرض مسرحي إعلامي، أو كأنه هو راعي بقر أمريكي، قادر على حل جميع الأمور، وفرض تسويات وإقرار معاهدات السلام؛ وعلى الأرض المشكلة الأوكرانية الروسية أكثر تعقيدا وتشعبا، فهي ليست مثل صراعات الكونغو ورواندا، أو زائير وبوروندي، فالفجوة كبيرة بين تلك الصراعات والصراع الأوكراني الروسي، فالأخير بعيد جدا عنها.
- وما وجه ذلك الاختلاف؟
الصراع الاوكراني الروسي: صراع وقت واستنزاف، حيث يحاول الغرب استنزاف روسيا، باللعب بعامل الوقت، عبر مد وقتها لأطول فترة تتآكل معها القدرة الروسية؛ لكن الصمود الروسي أمام تلك الحزمة من العقوبات الشرسة والحصار الاقتصادي، عبر الدخول في تحالفات جديدة واستخدام أساليب جديدة، أفقد هذا العامل أهميته للغرب، لكنه في الوقت ذاته لا يمكنه التراجع، فالتراجع يعني فتح الباب للاستباحة الروسية، اليوم أوكرانيا وغدا دول أخرى.
حسم الحرب
بينما تطلق روسيا بيانات احتلالها لأراض جديدة، وتحقيق انتصار تلو الآخر، مفصلة الخسائر الأوكرانية أمامها في الجنود والعتاد والمعدات، تتحدث أوكرانيا من جانبها عن تطوير قدراتها القتالية، وإصابة مواقع روسية حساسة، وصلت إلى أحد محطاتها النووية المهمة، وصد من 80%- 90% من الهجمات الروسية، عبر سلاح المسيرات المطور، لتثور الأسئلة حول حقيقة ما يجري على الأرض، وأي الطرفين أقرب إلى حسم المعركة؟
وفي إجابته على ذلك التساؤل، شكك “عمر” في حقيقة ما يتم إعلانه، فقال: البيانات الإذاعية والتلفزيونية حول: حصيلة القتلى والضحايا والدمار والخراب، لا تدل على خطوات حاسمة، لأننا نتحدث عن صراع طويل، هو كما قلنا سابقا صراع لاستنزاف روسيا على المدى الطويل، مثلما حدث معها في صراعها مع أفغانستان، التي احتلتها 10 سنوات، قبل أن تنسحب منها، بسبب تآكل قوتها ونفوذها على الأرض، ودخلت في صراع بدا بلا نهاية؛
ومن هنا يلعب الغرب على هذا السيناريو، بأن يجهد الروس لمدة طويلة، واستمرار هذا الإجهاد يدفع روسيا للتوقف في لحظة ما؛ لكن قابلية حدوث هذا السيناريو تحتاج إلى وقت، ولن نستطيع أن نحكم عليه الآن.
- وماذا عن وعد “ترامب” بالتوصل لاتفاق قبل نهاية أغسطس؟
أعتقد أن “ترامب” يقول ما يطرأ على ذهنه، فهو شخصية أونموذج لرجل السياسة الأمريكي لم نعتد عليه، لذا لا يمكن التعويل كثيرا على تصريحاته بشكل منفرد، لأن الواقع يقول عكسها، لذا علينا أن ننتظر؛ وعلى جانب آخر لعبت الإدارة الأمريكية السابقة- إدارة “جو بايدن”- والغرب علىأن تضييق الخناق على روسيا، والحصار والعقوبات والعقوبات الاقتصادية، سوف تنجح في خلق معارضة داخلية في روسيا، وإحداث قلاقل وتذمر، باعتباره هدفًا إستراتيجيا، وفي النهاية لم يحدث سيء من هذا على أرض الواقع.
وعلى جانب آخر، أوروبا لا تعول كثيرا على تصريحات “ترامب”، الذي توعد في بداية ولايته بعدم مساعدة أوكرانيا، وفي النهاية لم يستطيع فعل ذلك بشكل قاطع، لأن أمريكا لا يمكنها التخلي عن حلفائها، ولصالح من تفعل ذلك؟
- وهل لروسيا أن تصمد طويلًا أمام الضغط الأمريكي لإنهاء الحرب؟
روسيا دولة عظمى قوية، على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري والتكنولوجي، هي ليست الصومال أو إيران أو الهند أو الصين، إنما هي ند مساوي للولايات المتحدة، على الرغم من بعض الفروق بينهما، وتمتلك قوة مفرط؛ ومن هنا لن تؤثر فيها تلك التهديدات أو العقوبات والتصريحات، وإن لم يكن هناك شيء ملموس على الأرض، لن يثني ذلك روسيا عما تفعل ولن تغير إستراتيجيتها؛ وتكون تلك تصريحات استهلاكية لذر رماد العيون، للاستعراض السياسي أمام الميكروفون؛ وعلى أرض الواقع وطاولة المفاوضات، روسيا لن تخضع لأي تهديد أو حظر أو عقوبات بسهولة، فهل دول ذات ثقل.
الواقع الروسي
- انطلاقا من هذا الثقل، هل تنجح في فرض واقعها على المجتمع الدولي؟
عمليا هي فرضته بشكل أساسي، فأضحى احتلالها للأراضي الأوكرانية واقعًا، فالمشكلة الأساسية هي خلل في النظام العالمي، وهذا الخلل وانعدام التوازن وصراع القوى هو السبب فيما نحن فيه؛ من يستطيع أن يقف أمام روسيا؟ لولا الإمدلات العسكرية والاقتصادية الأمريكية والأوروبية لأوكرانية، لأصبحت مثل غزة الآن، نحن في فوضى عالمية، ولا يوجد نظام دولي، وحتى لم يعد للأمم المتحدة أهمية ولا دور، فأضحت جثة هامدة وعادة على المجتمع الدولي.
- وماذا عن أوكرانيا؟ أين يمكن أن تقف قدرتها على الصمود؟
لا أعتقد ذلك، أوكرانيا إذا رفعت الراية البيضاء سيكون ذلك نهاية صراع، وبداية صراع آخر، أي نهاية الصراع الروسي الأوكراني وبداية الصراع أخر، قد يكون صراع روسي أوروبي أو روسي أمريكي؛ فتحقيق تلك الفرضية تعني أن تصبح روسيا في مواجهة أوروبا، فهل تقف الولايات المتحدة صامتة أمام تلك المواجهة، تاركة أوروبا بمفردها؟ وبهذا فاستسلام أوكرانيا يعني الانتقال إلى متوالية من الصراعات، لا نهاية لها ولا يعلم مداها إلا الله.
- وهل احتمال استسلام أوكرانيا واردًا؟
ليس استسلاما بالمعنى الحرفي، لكن حال تغيرت القيادة السياسية، يمكن أن يتغير الوضع، لأن كثيرا من الصراعات، تتحول من صراع سياسي اقتصادي جيوبوليتكي إلى صراع وعناد ومكايدة شخصية،وذلك واضح في الصراع الأوكراني الروسي، أنه تحول للعناد والمكايدة، فوجدنا التراشق بالألفاظ، وأحاديث جارحة، فتحول إلى خلاف شخصي،
والدليل على ذلك أن “ترامب” بعد لقاءه “بوتين” في ألاسكا، قال أثناء لقاءه “زيلينسكي” وقادة أوروبا: إن هناك لقاء سيجمع بين “بوتين وزيلينسكي” في المستقبل القريب، وهو ما لم يحدث، لأن الزعيم الروسي لا يقبل “زيلينسكي” شخصيا، وحال تم تغيير الأشخاص واستبدالهم، سواء تغير “بوتين أو زيلينسكي”، هنا يمكن أن تحدث انفراجة في الوضع، تجعل الحل السياسي أقرب على الأرض.
الضامن الأوروبي وكروت التفاوض
أطلقت أوروبا وكندا عدة تصريحات، بضمانات أمنية لحماية الأمن الأوكراني، بما يصل لإرسال قوات سلام على الحدود المتنازع عليها، ألا يمكن أن يكون ذلك سبيلًا لحلحلة الوضع؟
لا أعتقد ذلك، وربما محض مقترحات نظرية بحتة، بل قد تؤدي تلك المقترحات لتأجيج الأزمة وإشعال فتيلها أكثر، وقد كان هناك تصريح “لترامب” يقول: إن أوكرانيا لن تكون عضوًا في الناتو، ما يتقابل مع الطلب الروسي، ومن ثم يكون نشر قوات أوروبية أو من حلف شمال الأطلسي- الناتو، تهديدا صريحًا للأمن القومي الروسي،
إذا كانت روسيا بدأت الحرب والنزاع، بسبب ميل أوكرانيا- الدولة الحدودية معها- نحو الغرب، فكيف تقبل نشر قوات غربية في أوكرانيا؟ وهي التي ترفض وجود الأوكرانيين المتعاطفين مع الغرب على حدودها، فهل تقبل بوجود الغرب على حدودها، ومن هنا أعتقد أن ذلك مقترح مستبعد وأنا لا أميل له؛ من المعروف أنه في المفاوضات يتم طرح عشرات الكروت، لكن يبقى السؤال: أي من تلك الكروت سيتم قبوله والاتفاق عليه؟ الإجابة ببساطة أقل القليل.
- قيل أيضًا، أن المفاوضات تعقدت بسبب تمسك أوكرانيا باستعادة شبه جزيرة القرم، فهل هو تمسك حقيقي؟
أعتقد أنه أيضًا أحد كروت التفاوض، فقد أضحت شبه جديدة القرم أرضًا روسية، وما دفع “زيلينسكي” للمطالبة بها، هو استخدامها كارت ضغط على روسيا، وهو مطلب أوروبي هدفه المساومة، لتصحيح موقفهم وخطأهم الإستراتيجي إبان احتلال شبه جزيرة القرم، حيث وقفوا متفرجين لم يحرك منهم ساكنًا،
بل إن التحرك الأوروبي الكبير ضد الغزو الروسي، منبعه أنهم وجهوا اللوم لأنفسهم لأنهم لم يتخذوا موقف إبان احتلال القرم، فتوحدوا واتخذوا موقف صارم أمام أوكرانيا، تصحيحا لصمتهم وغض الطرف عن احتلال روسيا لشبه الجزيرة،
وفي المفاوضات هو كارت قد ينجح وقد يفشل، وفي الغالب لن ينجح، لأن روسيا لن تخرج من القرم، إلا إذا تعرضت لضغط هائل، أو منيت بخسائر فادحة في ميدان المعركة، وهو أمر مستبعد.
روسيا والمنطقة العربية
استرسل “عمر” في حديثه عن تشعب أطراف الصراع، متحدثا عن تلك الفرصة التي لم يستغلها العرب، بالاستفادة من الصراع الروسي الأوكراني في حل مشكلات المنطقة فقال: كما هو واضح للعيان، هناك خلاف بين الغرب وروسيا، ومن هنا لو استطاع العرب جذب الجانب الروسي والتحالف معه، ليقف إلى جانبهم في تلك الصراعات، لكان موقفهم أقوى في الضغط على الولايات المتحدة والغرب.
لكن الأمور على أرض الواقع تقول: إن روسيا حليف إستراتيجي لإيران، وعلى الرغم من ذلك لم تتدخل بشكل فعال في وقت الضربات الأمريكية- الإسرائيلية عليها، ولم تستطع إيران استغلال تحالفها معها، في وقف الضربات المدمرة وإنقاذ مشروعها النووي، فكان السؤال للخبير السياسي: ولمَ لم تنصف روسيا إيران وهل حليفها الإستراتيجي؟
فعلا تلك علامة استفهام كبيرة، على الرغم من توقيع اتفاق إستراتيجي بين إيران وروسيا، ولكن روسيا وقفت متفرجة، حينما تم ضرب وانتهاك السيادة الإيرانية، وهو ما يؤكد أنه في أروقة السياسة الروسية، ثم حالة من الغموض وعدم الوضوح مازالت موجودة، لاسيما في سياستها الخارجية، فيما يتعلق بمن هم حلفاء روسيا؟ ومتى تتحرك روسيا؟
ولما لا تتحرك على الرغم من علاقاتها الجيدة جدا بالعالم العربي والإسلامي؟ ومازال موقفها هلامي نيتروجيني مما يحدثني المنطقة؛ وعلى جانب آخر تتوسع روسيا في تحالفاتها العسكرية، مثل تجمع البريكس، فلو كان لدى الجانب العربي والإسلامي إرادة، لاستقطاب الجانب الروسي والاستفادة من كارت الصراع الأوكراني، في الضغط على الجانب الغربي، لكانوا استطاعوا وضع حل لمشكلة الشرق الأوسط.
هل من نهاية؟
- في رأيك، هل يطول أمد تلك الحرب أكثر من ذلك؟
نعم، وهذا ما كتبته في مقالاتي منذ البداية، الحرب الروسية الأوكرانية ستستمر، وثمة قول منطقي يقول: “من السهل أن تبدأ الحرب ولكن من الصعب أن تنهيها”؛ وعليه قرار نهاية تلك الحرب لم يعد في يد أوكرانيا أو روسيا، وإنما أضحى في يد أطراف أخرى، وهو للأسف صراع مرير، يدل على أن السنية على الرغم من تقدمها وحضارتها، مازالت تدور في فلك الجاهلية.
واختتم “عمر” حديث بنفي فكرة حسم الحرب لنزاع من الأساس، فقال: الحرب لم تكن وسيلة لإنهاء صراع، لأن التفاوض والجدوس على طاولة المفاوضات هو حرب أخرى، ولكنها حرب شريفة، وقد كان لمصر لدينا بيع طويل في هذا المضمار، آخره في عصرنا الحديث، حين استعدنا طابا بالتحكيم الدولي، وباستخدام التفاوض والسلم والدبلوماسية والقانون، فكلما ابتعد العالم عن الحوار والتفاوض والقانون، زاد الطغاة والمستبدين وامتلأت الأراضي اليابسة بالضحايا والقتلى والمشردين.