الكوليرا بالأرقام.. انتشار واسع وحصيلة ثقيلة في السودان وتشاد
الأمم المتحدة تحذر من كارثة إنسانية.. الكوليرا تنتشر بلا سيطرة

تقرير: سمر صفي الدين
أعلنت الأمم المتحدة أن إقليم دارفور يشهد تفشياً واسعاً لمرض الكوليرا، حيث تجاوز عدد الإصابات 8 آلاف حالة مؤكدة، فيما توفي أكثر من 360 شخصاً.
وأكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن نحو سبعة آلاف حالة ظهرت في شمال دارفور وحدها، وأن 63 شخصاً ماتوا بسبب سوء التغذية خلال أسبوع واحد.
وأشار إلى أن هذه الأرقام تعكس حجم المأساة الإنسانية المتفاقمة، خاصة في ظل الحرب المستمرة ونقص الغذاء والدواء ومياه الشرب النقية في المنطقة.
دارفور بؤرة رئيسية
وفي هذا السياق، سجلت منسقية النازحين بدارفور عشر وفيات جديدة بالكوليرا و197 إصابة خلال يوم واحد، لترتفع الحصيلة إلى 361 وفاة و8569 إصابة.
وكشفت شبكة أطباء السودان أن الأعداد الفعلية للمصابين أكبر بكثير من المعلن، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع حيث تغيب الإحصاءات الدقيقة.
وتتزايد معدلات الإصابة في مناطق جبل مرة وطويلة وزالنجي، إضافة إلى المخيمات المكتظة، بينما تبقى مراكز العزل غير قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة.
مأساة اللاجئين في تشاد
وفي الجهة الأخرى من الحدود، أعلنت وزارة الصحة في تشاد وفاة 68 لاجئاً سودانياً بالكوليرا في مخيم دوغي منذ أواخر يوليو الماضي.
وأوضح مدير الإعلام في الوزارة تاج الدين محمد الأمامين أن عدد الإصابات المؤكدة بلغ 1016 حالة، من بينهم من تعافى ومن نقل إلى المستشفيات ومن توفي.
كما أشار إلى أن السلطات أعلنت حالة تفشي الوباء بعد تسجيل أربع وفيات و42 حالة يشتبه في إصابتها داخل المخيم، ما أثار مخاوف إنسانية واسعة.
أسباب التفشي السريع
وعزت الأمم المتحدة سرعة انتشار الكوليرا إلى التدفق الكبير للاجئين السودانيين نحو تشاد هرباً من الحرب المستمرة. حيث يعيشون بلا مياه نظيفة أو خدمات صحية.
وأوضحت أن نصف مليون لاجئ تقريباً يقيمون في مناطق وادي بشرق تشاد في ظروف مأساوية. مما يجعل المخيمات بيئة مثالية لانتشار الأمراض المعدية.
وأكدت المنظمة أن غياب المستلزمات الطبية وأدوات الوقاية في المخيمات أدى إلى زيادة أعداد الوفيات وتهديد حياة الآلاف من الأطفال والنساء.
الكوليرا تتفشى في إقليم دارفور
السودان الأكثر تضرراً
ويعد السودان حالياً البلد الأكثر تأثراً بالكوليرا في العالم، إذ سجل أكثر من 2400 وفاة خلال عام واحد في 17 ولاية من أصل 18.
وأوضحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن السودان يعيش أسوأ كارثة صحية منذ عقود. حيث تجاوز عدد الإصابات المائة ألف حالة منذ بداية الحرب.
وأضافت أن نقص اللقاحات وصعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة بسبب القتال يعقدان جهود السيطرة على الوباء بشكل غير مسبوق.
صورة قاتمة في دارفور
وفي غضون ذلك، سجلت ولاية شمال دارفور وحدها آلاف الإصابات، حيث بلغت الحالات المؤكدة في طويلة 4741 إصابة منها 76 وفاة، وفي جبل مرة 1262 إصابة منها 51 وفاة.
كما سجلت مناطق أخرى مثل جلدو وبنيرتيتي والروبيرو أعداداً متزايدة من الحالات، بينما تنتشر العدوى بسرعة في فنقا وخزنة جديد ونيالا وزالنجي.
ورغم جهود السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية والمتطوعين، إلا أن قلة الموارد الطبية وغياب مراكز العزل الكافية يحولان دون السيطرة على الوباء.
خلال شهر.. الكوليرا تحصد أرواح 68 لاجئا سودانيا بمخيم في تشاد
وباء عالمي متجدد
وتقول منظمة الصحة العالمية إن الكوليرا تشكل تهديداً عالمياً. حيث سجل العالم أكثر من 212 ألف إصابة و2754 وفاة منذ مطلع عام 2025.
وأشارت إلى أن 45 دولة أبلغت عن إصابات بالكوليرا خلال عام 2023 وحده. بينها بلدان إفريقية عدة مثل نيجيريا والكونغو الديمقراطية، إضافة إلى اليمن ولبنان.
ويعود ظهور المرض تاريخياً إلى القرن التاسع عشر. لكنه لا يزال يضرب البلدان الفقيرة والمناطق التي تعاني من الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية.
أعراض ومخاطر
ويظهر المرض عادة بعد ساعات قليلة من الإصابة. وتتراوح الأعراض بين الإسهال المائي الغزير والقيء المفاجئ والجفاف الحاد الذي قد يؤدي إلى الوفاة.
ويؤكد الأطباء أن الحالات الخفيفة تمر من دون أعراض. بينما قد تؤدي الحالات الشديدة إلى الموت في غضون ساعات إذا لم يتم علاجها سريعاً.
كما تصل نسبة الوفاة في غياب العلاج إلى 50 بالمئة. بينما يمكن إنقاذ المرضى بسهولة نسبية عبر محاليل الإماهة وتوفير الرعاية الطبية الأساسية.
عوامل الخطر
ويزداد خطر الإصابة بالكوليرا في مناطق النزوح واللجوء حيث تفتقر المجتمعات إلى الصرف الصحي وإمدادات المياه النظيفة وتغيب حملات التلقيح الوقائية.
كما أن الأطفال والمسنين ومن يعانون ضعف المناعة أكثر عرضة للإصابة. فيما يمثل تناول أطعمة أو أسماك ملوثة خطراً إضافياً لانتقال العدوى.
ويحذر الخبراء من أن تفشي المرض في مخيمات اللاجئين يهدد بالامتداد إلى دول مجاورة إذا لم تتخذ إجراءات وقائية عاجلة وشاملة.
جهود مكافحة محدودة
وعلى رغم الجهود المبذولة، لا تزال الاستجابة الدولية أقل من حجم الكارثة. حيث تعاني المستشفيات الميدانية من نقص في الأدوية والمحاليل.
وتسعى المنظمات الإنسانية إلى إقامة مراكز عزل جديدة وتوفير اللقاحات. إلا أن القيود الأمنية والقتال المستمر يعرقلان وصولها إلى المناطق الأكثر تضرراً.
كما أن استمرار الحرب في السودان يفاقم الوضع الصحي. حيث تضطر آلاف الأسر للعيش في ظروف غير إنسانية تجعل انتشار الأوبئة أمراً حتمياً.
تحذيرات من الأسوأ
وتحذر الأمم المتحدة من أن استمرار تفشي الكوليرا بهذا المعدل سيؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة في السودان وتشاد خلال الأشهر المقبلة.
وتدعو المنظمات الدولية إلى تحرك عاجل لتوفير المياه النظيفة واللقاحات والمستلزمات الطبية، باعتبارها الحل الوحيد للحد من الكارثة.