
تقرير: مروة محي الدين
“عندما تصل الأمم إلى حافة الهاوية.. إما أن تبني مستقبلًا جديدًا أو تسقط في غياهب النسيان”… هكذا علق الدكتور “محمد الألفي”- خبير الاقتصاد السياسي الذي يعيش في باريس، في تصريحات خاصة لموقع اليوم- على الوضع المتأزم في الشارع الفرنسي.
حيث يتصاعد التوجس خشية من التظاهرات، التي أعلن عن خروجها في 10 سبتمبر الجاري، احتجاجا على خطة “فرانسوا بايرو” رئيس الوزراء الفرنس- للتقشف، الهادفة إلى توفير 44 مليار يورو، وذلك من خلال اتخاذ بعض الإجراءات، التي تشمل: تجميد المعاشات التقاعدية، وإلغاء عطلتي عيد الفصح ويوم النصر- 8 مايو، ما أثار حالة من الاحتقان في الوسط الفرنسي.
كذلك يكتنف النظام السياسي الفرنسي حالة من انهيار الثقة، حيث سقطت ثلاث حكومات متعاقبة في عامين، ويعاني البرلمان الانقسام بين الكتل المتعارضة: اليمين المتشدد، اليسار المتشدد، والوسط الضعيف- حسب خبير الاقتصاد السياسي.
ومن المتوقع أن يجري تصويت على سحب الثقة من الحكومة، غدًا- الإثنين، ما يرجح معه “الألفي” بنسبة تصل 70% سقوط الحكومة، حيث أعلنت جميع الأحزاب والشارع رفضها الخطة والمشاورات، بما في ذلك: مارين لوبان من اليمين المتطرف، ميلانشون من اليسار المتطرف، والحزب الاشتراكي.
شرارة اشتعال
يرجح “الألفي”- بناء على ما يشهده الشارع من غليان، بدأ وهجه يرتفع بخروج مظاهرات صغيرة ضد النظام الحاكم- أن يشهد الشارع “إضرابًا عامًا ومظاهرات ضخمة، يوم 10 سبتمبر، في باريس ومدن كبرى مثل: ليون ومارسيليا، تحت شعار (أوقفوا كل شيء)، يطالب فيها المتظاهرون بإسقاط النظام، وقد تصل لمطالبة الرئيس إيمانويل ماكرون”.
لكن حدود الشارع لم تقف عند هذا الحد، بل تهدد النقابات العمالية لاسيما قطاعي الصحة والنقل، بتنظيم إضراب عام يوم 18 سبتمبر، يشل حركة الشارع والمواصلات العامة والمؤسسات، حال لم تستجب الحكومة لمطالب المتظاهرين، التي ترفض سياسات الاتحاد الأوروبي التقشفية، وتطلب إصلاح النظام السياسي، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وقد علق خبير الاقتصاد السياسي على حالة الغضب، فقال: “إن شعورًا بالخيانة يعم الوسط الفرنسي، حيث يعتقد العديد من الفرنسيين: أن النخبة السياسية خانتهم، لصالح الشركات الكبرى والاتحاد الأوروبي، ويعتبر 76% منهم خطة التقشف غير عادلة، كما لا يثق 67% بقدرة الحكومة على تحسين الأوضاع، لذا نجد الشباب- تحت 25 سنة- هم الأكثر غضبًا، حيث تبلغ بطالتهم 24%”.
وأضاف: “كما تشهد المناطق الريفية تردي الخدمات العامة (المستشفيات والمدارس)، ما يؤجج غضبًا وجوديًا أكبر ضد النخب، فيما تركز المدن الكبرى على رفض السياسات الاقتصادية”.
الوضع الاقتصادي
تتصاعد الأزمة الاقتصادية الفرنسية كل يوم، مع تراكم الديون وانهيار الخدمات، فقد بلع إجمالي الدين العام 3.35 تريليون يورو، أي ما يعادل نسبة 114% من الناتج المحلي، ويرتفع بمعدل 12 مليون يورو كل ساعة، ويرى “الألفي”: أن تصل فوائد الدين إلى إلى 100 مليار يورو سنويًا بحلول 2029.
وعلى جانب آخر، يعاني الاقتصاد الفرنسي من التباطؤ، حيث لا يتجاوز معدل النمو نسبة 0.6% في 2025، وترتفع معدلات التضخم لاسيما في أسعار الطاقة والغذاء؛ كما تعانيالخدمات العامة التردي، فتتأثر المستشفيات بنقص الموظفين، وتغلق المدارس أبوابها نتيجة إلى نقص التمويل- حسب تصريحات خبير الاقتصاد السياسي.
ويرى: إن “رفض الاتحاد الأوروبي والبحث عن هوية جديدة” يقف وراء تلك الدعوات، إذ “يعتقد 55% من الفرنسيين، أن شروط الاتحاد الأوروبي، مثل: سقف الدين 60%، لم تعد تناسب فرنسا، ويدعون إلى استقلالية اقتصادية؛ وفي ذات السياق “يكتسب اليمين المتشدد مارين لوبان واليسار المتشدد ميلانشون شعبية، بسبب خطابهما المعادي للنخب والاتحاد الأوروبي؛ ويتحدث العديد من المفكرين الفرنسيين عن ضرورة إنشاء جمهورية سادسة، تحل محل نظام ديجول القديم”.
مفترق طرق
يحبس الشارع الفرنسي أنفاسه، اعتبارها من يوم غد وحتى يوم الاحتجاج، ترقبًا لما سيؤول إليه الوضع، الذي لا ينبئ بانفراجة تعيد إليه الهدوء، حيث يشير “الألفي” لسيناريوهات ثلاثة، قد تترتب على ذلك الحراك المتصاعد، فيقول: “الأول وهو السيناريو الأقرب للحدوث: سقوط الحكومة، ما يقود فورًا لانتخابات مبكرة، وحال سحب البرلمان الثقة غدًا من الحكومة، قد يحل ماكرون البرلمان، ما يؤدي إلى فوز اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان”.
وأضاف: “أما السيناريو الثاني: فهو استمرار الأزمة والاحتجاجات، حال تمكنت الحكومة من التغلب على موجات الغضب ضدها بشكل مؤقت، وقد يتفاقم الأمر، فتتحول إلى حركة عنيفة مشابهة لحركة السترات الصفراء؛ وثمة سيناريو ثالث: وهو استقالة ماكرون وحدوث تغيير جذري، فحال تصاعدت الاحتجاجات، قد يضطر ماكرون للاستقالة، ما يفتح الباب لتغيير النظام السياسي بالكامل”.
وأجمل رؤيته لمستقبل فرنسا الذي يبدو ضبابيا، فقال: “فرنسا لا تواجه توازن أزمة سياسية عابرة، بل تعيش انهيارًا شاملاً للنموذج القائم منذ عهد شارك ديجول، فالشعب الفرنسي يرفض الخنوع لسياسات التقشف، والنخبة لم تعد قادرة على الحكم،؛ ومن هنا ستحدد الأيام القادمة، ما إن كانت فرنسا ستشهد “ثورة سلمية”، أم ستدخل في فوضى طويلة الأمد” .