عرب-وعالم

وثائق السنوار الملفقة..هل تقيل نتنياهو؟

”وثائق السنوار الملفقة”..هي تلك الوثائق التي زيفها قادة الاحتلال، وعمدوا لتسريبها لبعض الجهات الإعلامية الأجنبية بغرض تهدئة الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي، والتأكيد على أنها تصب في مصلحة حماس، وتلصق اتهامات تعطيل صفقة التبادل بالمقاومة.

وقد أعلنت إحدى المحاكم لدى الاحتلال: أن تلك الوثائق سلمها أحد ضباط شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) للمتحدث باسم مكتب رئيس وزراء الاحتلال “إيلي فلدشتاين”، باستخدام أحد تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، ثم سلمه الوثيقة الأصلية في وقت لاحق.

 أكذوبة معتادة

كانت الوثائق، التي نشرتها صحيفتي “جويش كرونيكال” البريطانية، و”بيلد” الألمانية، تقول: ليس بالإمكان تحرير الأسرى لأنهم يحيطون بقائد حماس “يحيى السنوار”، وأنه عرض مغادرة قطاع غزة وتحرير الأسرى، تحت الضغط العسكري لجيش الاحتلال.

وقد أكدت وسائل الإعلام العبرية: أن اتهام “السنوار” برفض المفاوضات والتسوية وتعطيل صفقة التبادل كان أهم أهداف نشر تلك الوثائق، وكذلك لتأويل احتجاجات عائلات الأسرى بأنها تعزز موقفه.

لتتكفل أحداث الميدان بكشف الحقيقة وتكذيب دعايتهم، ما اضطر الصحيفة البريطانية لحذف تقاريرها المتعلقة بالوثائق، وأعلنت فتح تحقيق مع مراسلها المسؤول عن نشر تلك المادة.

وهو ما دعى “نتنياهو” للتبرؤ منها، نظرا لما تسببت فيه تلك التسريبات من “أضرار هائلة”، حيث قال في كلمته أمام الكنيست: “طالبت مرات عدة بإجراء تحقيق في هذه التسريبات”.

لكن ذلك لم يحذف من العقل الجماهيري صورة الأكذوبة، حيث نقلت القناة 12 العبرية عن والدة إحدى الأسرى لدى المقاومة وتدعى “إيناف تسينجوكر”، قولها حول موضوع التسريبات الملفقة: “بينما كان ابني ماتان والأسرى الآخرون يقبعون في الأنفاق، قامت عصابة نتنياهو بعملية توعية إجرامية ضد صفقة التبادل”.

وقد تبنت الدكتورة “نعيمة أبو مصطفى”- الباحثة في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي- في تصريحات خاصة لموقع وجريدة “اليوم” نفس وجهة نظر أهالي الأسرى، فقالت: إن الكذب منهجًا لرئيس وزراء الاحتلال “بنيامين تنياهو”، فهو منذ بداية الحرب يطلق الأكاذيب والتلفيقات عن المقاومة، وجند شهود كذب للحديث عن وقائع حدثت، ثم ثبت كذبها فيما بعد، ومن هنا أضحى من السهل عليه مثل تلك التلفيقات في سبيل الإساءة للمقاومة وكسب تعاطف الداعمين له مثل الولايات المتحدة وحلف الناتو، وكذلك عمل حالة تهدئة في الشارع الإسرائيلي.

 مقتل ستة أسرى

كانت أهم المؤشرات التي أوضحتها القناة 12 العبرية في قضية تسريب الوثائق الملفقة، أنها كانت عقب مقتل 6 من الأسرى لدى المقاومة، وما تبع الحادث من صخب تظاهرات هزت أرجاء المناطق المحتلة ضد حكومة الاحتلال.

ومن هنا اتهمت صحف ووسائل إعلام الاحتلال الحكومة بأن التسريبات كانت للتعمية على الحادث، حيث قالت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية: أن “فلدشتاين” أرسل الوثيقة إلى وسائل إعلام أجنبية بهدف التأثير على الرأي العام الإسرائيلي، وتحويل الانتباه عن مقتل الأسرى الإسرائيليين الستة وتوجيه اتهام قتلهم إلى “السنوار”، وذلك بعد أن طلب ذلك من صحفيين إسرائيليين، منعتهم الرقابة من النشر.

فهل كان الرأي العام الإسرائيلي علامة فارقة “لنتنياهو” إلى هذا الحد؟

سؤال أجابت عليه “أبو مصطفى” فقالت ضمن تصريحاتها: بالتأكيد “نتنياهو” يهتم بتحركات الشارع الإسرائيلي، لكنه يعتد بتلك التظاهرات بدرجة معينة، إذ يملك في النهاية دعم اليمين المتطرف، الذي يتحكم بكل شيء بدولتهم وهو من يدير الحرب، فتعلو كفته لديهم على كفة الديمقراطيين أو عائلات الأسرى لدى المقاومة، أو كما يقال “صوت اليمين المتطرف أعلى من صوت أهالي الأسرى لدى المقاومة”، ومن هنا فهو يضع المتظاهرين في حسبانه ولكن ليس بدرجة كبيرة، لأن الاحتلال لديه ديمقراطية ومن هنا يكسب الانتخابات بفارق بسيط عن منافسيه من الأحزاب الأخرى، وما يهمه أن يكسب الانتخابات.

و أوضحت “أبو مصطفى” في خضم تصريحاتها: أن رئيس وزراء الاحتلال لا يفعل ذلك خوفا من المتظاهرين أو عائلات الأسرى، إنما رغبة في تحقيق مكاسب أكثر، فلم يطلق تلك التسريبات لتهدئة الشارع الإسرائيلي وأهالي الأسرى فقط، إنما أطلقها ليسيء لحماس والمقاومة بشكل أكبر ويكسب تعاطف دولي أكبر، مثلما اختلق كذبة المجندات الذين اغتصبوا والأطفال الذين قتلوا في أكتوبر7 أكتوبر.

لتؤكد بذلك ما ذهبت إليه القناة 12 العبرية ضمن وسائل الإعلام العبرية التي تناولت الموضوع، حين قالت: أن تلفيق الاتهام “للسنوار” بقتل الأسرى الستة هو الهدف الرئيسي لتسريب الوثائق، لتحويل الرأي العام الإسرائيلي.

إقالة نتنياهو قضائيًّا

لما ظهر في تحقيقات تسريب الوثائق ما جرى عليها من تلفيق بغرض تضليل الرأي العام، لاحت احتمالات تحرك المستشارة القضائية للاحتلال لإقالة “نتنياهو” على خلفية التحقيقات في تلك القضية.

و أعرب بعض المسؤولين الأمنيين عن مخاوفهم من تحقق ذلك- وفقًا لوسائل إعلام فلسطينية.

لكن الدكتورة “أبو مصطفى” كان لها رأي آخر، حيث قالت: إن ذلك لن يحدث، بالفعل سيتم محاكمته، لكن هل تمت إدانته في قضايا الفساد السابقة؟ لا لم يحدث.

وفصلت الأسباب الكامنة وراء نجاته من الخضوع لأي درجة من درجات العدالة، فقالت: لأنه يتلقى دعم، فهو يأتي على هوى الولايات المتحدة ورئيسها الجديد “دونالد ترامب” الذي سيصل البيت الأبيض قريبا، وحلف الناتو، ومن هنا مهما يكن إجرامه في حق شعبه سيظل يتلقى الدعم، لأننا نعيش في مزاج دولي خطير يميل للإجرام والعنصرية، انتهت أمامه العدالة الدولية بشهادة جميع المنظمات الحقوقية والمدنية الأخرى.

كذلك لم تمنع الديمقراطية- التي طالما رفعا الاحتلال شعارا له- حالة الحصانة التي يتمتع بها رئيس وزراء، إذ إن النظام الديمقراطي وفقًا لرؤية “أبو مصطفى” أضحى “نظامًا ظاهريا بوجود “نتنياهو” على رأس السلطة، فإسرائيل قبل “نتنياهو” شيء وبعد “نتنياهو” شيء آخر، وكذلك قبل 7 أكتوبر مختلفة تماما عن بعدها.

لتمر أحداث اليوم فتعتمد حديث الدكتورة “نعيمة”، فقد طالب مكتب نتنياهو اليوم الشاباك بمنحه تقريرا أمنيا يعفيه من المثول أمام المحكمة في قضايا الفساد، بما يؤكد حديثها أنه قد يحاكم لكن لن يبنى قرار على تلك المحاكمات.

ومن هنا أضحت قضية التسريبات الملفقة ملفا ضمن ملفات “أكاذيب صنعت دولة الاحتلال”- كما تقول “أبو مصطفى”، ضُلِلَ بها الرأي العام أم لم يضل، وهُدِدَت بها حياة المدنيين والأسرى أم لم تُهَدد، تقف الحصانة الدولية حائلًا أمامها دون حضوع المجرم الحقيقي للمحاكمة، طالما بقيت كفة ميزان العدل الدولي مائلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى