مقالات

محمود عرفات يكتب: “حامل وكاميرا”.. المؤهلات العلمية لشيخ العصر الحديث

قبل وجود مواقع التواصل الاجتماعي كان الأب يجهز ابنه ليكون شيخا، فيبدأ تعليمه منذ الصغر في الأزهر الشريف فيحفظ القرآن الكريم ويدرس العلوم الشرعية، بالإضافة إلى مواد اللغة العربية، فيبدأ حياته من الابتدائية حتى الثانوية متنقلا بين علوم الدين بفروعها المختلفة، بالإضافة إلى علوم العربية بكافة أقسامها، وعلم المنطق والفلسفة، هذا كله ولم يتخصص بعد في العلوم الشرعية، كل ما سبق قد لا يجعله مؤهلا ليتحدث في الدين.

بعد الثانوية الأزهرية تبدأ خطوة ثانية تتمثل في التخصص الحقيقي؛ حيث الالتحاق بإحدى كليات الشريعة ليدرس فيها العلوم الشرعية بشيء من التوسع؛ ليتمكن من أدواته التي تؤهله للحديث بين الناس، لا أقول ليفتي، بل ليتحدث فقط فيه عن أمور الدين، وبعد الجامعة يأخذ طريقا آخر نحو حفظ المتون العلمية وأخذ السند على يد مشايخ متصلة السند، ليتمكن أكثر من أدواته، ثم يبدأ طريقه نحو البحث العلمي، حيث الماجستير والدكتوراه.

كل السرد الذي سبق والذي أخذ سنوات عديدة من العمر لتحصيله يتم اختزاله في عالم “السوشيال ميديا” في مجرد “حامل وكاميرا”، لا تتعب نفسك يا صديقي لتتعلم العلوم الشرعية وتتخصص، وتضيع سنين عمرك سدى، يكفيك فقط أن تلبس جلبابا كالمشايخ مع لحية مهندمة، ثم تشتري ببضع جنيهات حامل لكاميرا الموبايل، وبعد أيام قليلة يكون عندك عدد كبير من المتابعين يستشيرونك في أمور دينهم، وأنت بين عشية وضحاها تصير الشيخ المفتي، بلا أي تخصص شرعي!

هذا الذي نراه على مواقع التواصل الاجتماعي عبث وجهل وخبل، تجد المتخصص في الهندسة أو الآداب أو الطب يعقب على المتخصص في الفقه المقارن، وتجد الصغير ينتقد الكبير، ويتوه العالم الحقيقي بين هذه الترهات، فلا تجد مَن يسأل عن مؤهلات المتحدث، المهم أنه يستخدم كاميرا ذات جودة عالية، ومونتاج يجعل المستمع لا يمل، ومؤثرات صوتية، هذه هي أدوات العصر الحديث! أما العلوم الشرعية ليس هناك مشكلة نستعين بالشيخ “جوجل” في تحضير مقاطع الفيديو!

لذلك أقول إن العلماء الحقيقيون خلف الشاشات وبعيدون عن الأضواء، اللهم إلا قلة محدودة، خذوا دينكم من المتخصصين، فالدين علم وليس مستباحا لكل مَن لا عمل له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights