محمود عبد العظيم يكتب: اغتيال ناعم للغة العربية.. بقلم صحفي

في صباح هادئ، يجلس الجدّ على كرسيه الخشبيّ القديم، يقرأ الجريدة بصوتٍ مسموع، والحفيدة تُصغي بإعجاب…
“جدّي، لماذا كلام الجرائد مرتّب وجميل؟” ابتسم وقال:
“لأن الصحفي كان يُدرَّب على أن يكون شاعرًا إذا كتب، وخطيبًا إذا تحدّث.” ولكن… تلك الأيام، يبدو أنها ولّت، اليوم، في زمن السرعة والسطحية، أصبحنا في فاجعة أن يتحول الصحفي والإعلامي، الذي كنّا نعدّه مدرسةً لغويّة، إلى هادمٍ لقواعد اللغة، وناحرٍ لأصول النحو.
فقد تحوّلت المقالات إلى فوضى إملائية، والتقارير الإخبارية إلى أخطاء نحوية تمشي على قدمين! لا فرق بين مذكر ومؤنث، ولا بين “أن” و”إن”، ولا حياء من وضع “الذي” بدلًا من “التي”.
لا نطلب من الإعلامي أن يكون سيبويه العصر، لكننا نطالبه بأبسط الحقوق: أن يتحدث لغة قومه، وأن يعرف متى يُقطع الحرف، ومتى يُوصَل، أن يُفرّق بين “امرأة” و”امرأ”، وأن يتأكّد أنّ “هؤلاء” لا تُستخدم للإشارة إلى المفرد.
كان الصحفي والإعلامي في السابق مدرسة لغويّة كاملة، نقلّد مخارج حروفه، ونقلّب عباراته في عقولنا.
أمّا اليوم.. فكثير منهم يتعامل مع اللغة وكأنها أمرٌ ثانوي، غير ضروري.
في النشرات: أخطاء فادحة، وفي التقارير المصوّرة: خلط بين الضاد والظاء، وفي الحوارات: استعراض للعامية المكسّرة. كان يُقال: “الصحافة مدرسة اللغة الحية”، فالصحفيّ يُحرّر الكلمة، ويُجري الحوارات، ويكتب الخبر بتراكيب دقيقة، وجمل متينة.
لكن اليوم، تدخل على بعض المواقع فتجد العناوين ركيكة، والمحتوى مليء بالأخطاء، كأنّ المحرر كتب المقال على عَجل، دون مراجعة، أو حتى حسّ لغوي!
من الصحفي من لا يفرّق بين “إلى” و”على”، ويضع الهمزة في غير موضعها، ولا يُميّز بين “أداة تعريف” و”أداة نفي”، فأين ذهب مجد الصحافة؟ وأين ذهب الحياء من الخطأ؟
إنه خلل في منظومة، وفي تدريب، وفي احترام اللغة كأصل من أصول المهنة، فهل يُعقل أن يدخل الصحفي غرفة التحرير دون أن يُتقن أدواته؟ وهل يقف الإعلامي أمام الكاميرا دون أن يُراجع لسانه؟.
أيّها الصحفي، أيّها الإعلامي، نتابعك، ونتأثّر بك، فاحذر أن تكون مصدرًا للخلط، لا للفصاحة، راجع قواعدك كما تُراجع مصادرك، احترم الكلمة كما تحترم المعلومة، كما للخبر قُدسيّة، للغة هيبتها، أن تتحدث لغةً سليمة، وتكتب بلا خطأ، ليس ترفًا… بل شرف المهنة.
فإمّا أن تكون الصحافة والإعلام منبرًا للفصاحة، وإما أن تتحوّل الكلمة إلى ضحيّة، تُغتال كل يوم على يد من يفترض أنه حاملها.
وها نحن نكتب، لا لنعاتب فقط، بل لنُوقظ! فربّما في صحفيٍّ واحدٍ يقرأ هذا المقال…